بنبرة تهكمية ممزوجة بابتسامة، سأل الحاج يوسف السيد بائع التوابل وصنوف الأعشاب الشاب محمد مرتجى "باللهِ يا ابني بلاقي عندك تمر خفيف على الأسنان.. خليني أحافظ على كم سن الباقيين إلي".
على الفور، أجابه مرتجى بعدما بادله الابتسامة "تفضل يحج بتلاقي يلي بدك إياه إن شاء الله.. تعال أقعد.. الله يعطيك الصحة"، وخلال بضع دقائق جهز "محمد" كيلو جرام من تمر الزهدي وقدمه إلى الحاج الستيني مقابل عشرة شواكل لا غير.
ويمتاز "الزهدي" بشكله البيضاوي ولونه الأصفر المائل إلى البني وفي الوقت نفسه جاف الملمس وسهل الهضم، وبناء على تلك الصفات يعتبر من أكثر صنوف التمر المرغوبة لدى كبار السن، وأحيانا تلجأ إليه ربات البيوت لاستخدامه كعجوة للقطائف.
سبعة أصناف
وعند الجانب الأيمن من المدخل المؤدي إلى سوق غزة القديمة، وسط المدينة، يعرض مرتجى صنوفا من التمور متنوعة في المذاق والحجم على شكل هرمي، كي يلفت بدقة تنسيقه وجمالية ترتيبه لبضاعته أنظار المارة إلى السوق الشعبي والخارجين منه في نهار رمضان.
ويشرع مرتجى، الذي يعمل منذ قرابة العشرين عاما في مجال العطارة، بتجهيز محله ببضائع ومستلزمات رمضان قبيل حلول الشهر المبارك ببضعة أسابيع بينما يزود محله بالتمور قبل دخول الشهر بأيام قليلة، لأسباب تتعلق بحرصه على الجودة وأخرى لظروف ميدانية.
ويقول مرتجى: "يتوفر في غالبية أسواق القطاع نحو ستة أو سبعة أصناف من التمور، أبرزها تمر المجهول ذو المذاق والجودة العالية وكذلك السعر المرتفع، وأيضا يوجد تمر ديك النور أو دجلة والحلواني الرطب والعنقود والزهدي إلى جانب العمري الذي يفضله عادة متبعي أنظمة تخسيس الوزن".
ويضيف مرتجى لـ "فلسطين": "تفرض الوقائع المعيشية المتردية على نسبة كبيرة من الزبائن شراء صنوف من التمر ذات أسعار جيدة لا تتجاوز الـ 15 شيكل للكيلو الواحد"، مشيرا إلى أن جميع التمور المعروضة في الأسواق المحلية مستوردة من الاحتلال الإسرائيلي عبر معبر كرم أبو سالم التجاري.
وتحتل مصر المركز الأول في إنتاج التمور بنسبة 18 في المائة من الإنتاج العالمي، وبحسب منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" يقدر إنتاجها السنوي بحوالي مليون و465 ألف طن، بينما تحتل السعودية المركز الثاني بنسبة 15 في المائة من الإنتاج العالمي.
عادات لا بد منها
تركنا مرتجى ليستكمل عمله في محله الذي ظلله بقطعة كبيرة من القماش الشفاف بغية الاحتماء من أشعة الشمس وحماية بضائعه من التلف، ورحنا نتجول أكثر بين أزقة السوق الشعبي ودكاكينه، لنلتقي بشاب آخر يتخذ من بيع مستلزمات رمضان مصدر دخل مالي له.
وعلى مقربة من أحد الشوارع المؤدية إلى المسجد العمري الكبير، أقدم وأكبر مساجد غزة، صادفنا محل الشاب أحمد الجاروشة، الذي أكد لـ "فلسطين" أنه رغم تراجع الأوضاع الاقتصادية للمواطنين إلا أن العزيين ما زالوا يتمسكون بعادات وتقاليد مرتبطة باستقبال رمضان.
ويقول الجاروشة: "رغم حالة الكساد التي خيمت على الأسواق في الأشهر القليلة الماضية، إلا أن رمضان يفرض نفسه ويغير نمط الاستهلاك لدى المواطنين، فيدفع ببعض المنتجات إلى صدارة مستويات الاستهلاك، وتحديدًا التمور بأنواعها"، مبينا أن أسعار البيع تتراوح ما بين عشرة شواكل و 15 شيكلا لكل كيلو جرام.
ولم يخفِ الجاروشة تذمره من تراجع مستوى البيع ومعدلات الإقبال وخاصة في الأيام الأولى من رمضان، ويعلق على ذلك "اعتدنا على ازدحام السوق وأن تستنفر العائلات بأكملها لتأمين وتجهيز ما سوف تحتاجه في الشهر، ولكن الأحوال تبدلت هذا العام بل أصبح التمور من الكماليات غير الهامة لدى الكثير من الناس.
أسعار متفاوتة
وعلى بعد عدة أمتار يقف ماهر النخالة صاحب متجر لبيع التمور والعطارة، أمام متجره الموجود في المدخل الغربي للسوق، آملًا في استقطاب زبائن، ويقول أبو نافذ لصحيفة "فلسطين": "أسعار التمور تتفاوت حسب الجودة ولكنها تبقى ثابتة طوال أيام رمضان".
ويستعيض النخالة بضعف الإقبال على شراء التمور بمحاولة ببع مستلزمات رمضانية أخرى كالتوابل والفواكه الجافة والطرية وصنوف من البقوليات، مشيرا إلى أن أزمة الكهرباء التي تعصف بالقطاع تزيد عليه التكاليف المالية بنحو 20% نظرا لتشغيله مولدا كهربائيا.
ويقدم الحاج أبو نافذ في ختام حديثه نصيحة للتميز بين التمر الصالح للأكل والمضروب، قائلا: "هناك علامات يعرفها أهل المهنة وهناك دلالات عامة كميلان لون حبة التمر إلى الاسمرار وانتشار التلف حول القمعة ومحيط البزرة"، داعيا الله أن يأتي رمضان القادم وقد تغير الحال إلى أفضل مما عليه.