فلسطين أون لاين

"معاوية الوحيدي" يقاوم بتْر ساقه ليعود إلى مهنة الحلاقة

...
غزة- هدى الدلو:

بدا محله غريبًا وموحشًا بعد أن كان يضج بأصوات الرّواد والحياة، صمتت فيه أحاديثهم ومشاركة "معاوية" معهم في المواضيع التي تحمل الهم العام، وكذلك صوت ماكينة الشعر والمقص لم يعد لهما صدى، بعد أن اهتزت المرايا في المحل على وقع استهداف إسرائيلي لصاحبه، ليغيب عنه بعد علاقة نسجها مع مهنته دامت ما يقارب ربع قرن.

معاوية الوحيدي (42 عامًا) من حي الصبرة الواقع وسط مدينة غزة، حرمه الاحتلال الإسرائيلي ممارسة مهنته في الحلاقة بعد إصابته المباشرة في العدوان على قطاع غزة في مايو/أيار.

عاد بذاكرته إلى حيثيات الإصابة وتفاصيلها، شظايا تناثرت، وركام ودمار، ونيران ودخان، ودماء وأشلاء، بهذه الكلمات حاول وصف الجو العام، صوت انفجار ضخم هز المكان في أثناء تواجده في محله، لم يكن يبعد عنه سوى سبعة أمتار.

يقول الوحيدي لصحيفة "فلسطين": "بعد سماع صوت القصف الأول الذي استهدف سيارة مدنية في شارع المغربي، جاءني صديقي وجاري في محل الخياطة مصابًا في صدره يطلب مني إسعافه، أمسكت به لأسير معه إلى أقرب صيدلية، فوقع من بين يدي وخرج الدم من فمه، وفي أثناء تلقيني له الشهادة، أطلقت طائرات الاحتلال صاروخًا آخر فأصابنا إصابة مباشرة، واستشهد صديقي على الفور".

حاول أن يركز فيما حدث، قائلًا: "الوضع كان صعبًا، والمشهد لا يوصف، ربنا ما يوضع أحد في المكان، لا يستطيع ترجمة ما تعرض له، لا مجال للتفكير، استوعبت بأن ساقي ستبتر، فلا يمسك بها شيء، حملني رجال الإسعاف، وغبت حينها عن الوعي".

تنقل الوحيدي بين أسرّة المرض والمستشفيات، أكثر من شهر ونصف، لبتر ساقه اليمنى، وإصابة اليسرى بجروح متفرقة، وعدد من الشظايا في الرأس والظهر.

في عمر 17 عامًا أرسله والده عند قريبه الذي يعمل في مجال الحلاقة، ليتعلم المهنة بكل أبجدياتها، حتى أتقنها واستقى منها الدروس والعبر، وارتبطت به وبشخصيته على مدار 25 عامًا.

تمكن من الوقوف على قدميه بعد جهد طويل وافتتح صالونًا خاصًا به، رغم صعوبة الظروف التي يمر بها قطاع غزة بفعل الحصار المشدد، مضيفًا: "طيلة تلك الأعوام عملت على تطوير المحل ليصبح أكثر من مجرد مصدر دخل، خاصة أني أقضي معظم وقتي في الصالون".

يوضح الوحيدي أن محله بات خاويًا من أصوات الزبائن وآلات القص وتصفيف الشعر، بسبب عدم قدرته على الوقوف على قدميه مجددًا بعد بترها، ولكنه لا يزال يتمسك بمهنته التي عمل فيها منذ بداية حياته المهنية، إلى جانب أنها "هي من تطعمني عيش أنا وولادي في ظل هذه الظروف الصعبة"، وفق حديثه.

يصمت عن الحديث، ثم يتابع بهدوء: "اشتقت لصوت الماكينة، ومسك يدي اليمنى للمقص، واليسرى للمشط، فبعد الانتهاء من المشوار العلاجي، سأبدأ في المقاومة للعودة إلى مهنتي وزبائني، ولن استسلم بل سأقاوم حتى أعيش وعائلتي ولا أكون عالة على أحد، وسأعمل على تركيب طرف صناعي، وفي حال صعب الأمر سأضطر إلى البحث عن بديل آخر، فليس أمامي إلا قول حسبي الله ونعم الوكيل".