تشهد الأوساط العسكرية الإسرائيلية نقاشات حية حول أفكار جديدة لتحقيق ما توصف بـ"صورة النصر"، التي فشل الجيش في الحصول عليها بسبب التحديات الماثلة أمامه، وتغيرت منذ تراجع تهديد الجيوش النظامية للدول العربية، وظهرت المنظمات العصابية، ما استوجب إحداث تغيير في مفهوم العقيدة العسكرية الإسرائيلية.
تشرح ذات الأوساط جملة هذه التحديات التي "تحرم" جيش الاحتلال من الحصول على صورة النصر المرجوة، وعلى رأسها التغييرات العسكرية في السنوات الأخيرة التي أدت لاستحداث أنماط قتال وتهديدات جديدة، على الرغم من أن جيش الاحتلال بني للتعامل مع الجيوش النظامية، وحماية حدود الاحتلال من التهديد الوجودي بغزو أو حصار من القوات النظامية، لكنه وجد نفسه ابتداء من الثمانينيات في مواجهة المنظمات التي تعمل بأساليب حرب العصابات، واستهدفت هجماتها الإسرائيليين بإطلاق النيران في مسارات شديدة الانحدار، بأحجام وكثافة ودقة زادت على مرِّ السنين.
كما أن إسرائيل وجدت نفسها أمام افتراضات عسكرية أساسية لم تعد صالحة، مع أن جيشها يتمتع بفجوة كبيرة في ميزان القوى على المقاومة، لكن نتائج المواجهات خيبت الأمل مراراً وتكراراً، ما يعني أن هذه الافتراضات تطلبت تحديد قواعد عمل جديدة، أولها تقصير مدة الأعمال العدائية، فدولة الاحتلال لا تتحمل مواجهات طويلة الأمد ، وهناك حاجة لتقليل الأضرار التي لحقت بجمهورها وبنيتها التحتية نتيجة للقتال، وتقليل تعرضها للتهديد وشلل الاقتصاد، وتجنب الضغوط السياسية التي تزداد مع استمرار القتال، وتغمر الإعلام العالمي بالصور القاسية.
القاعدة الثانية أن المقاومة ستتصرف بأكثر الطرق خطرًا بالنسبة لـ(إسرائيل)، وأي قدرة تبنيها المقاومة ضد الاحتلال ستمارسها في وقت يكسبها أكبر قدر من الفوائد، وتسبب لـ(إسرائيل) أكبر قدر من الضرر، ما يعني أن أي افتراض بأن المقاومة تبني القدرات ليس لتشغيلها، أو ستنفذ خطتها الحربية بطريقة تناسب الاحتلال، لا أساس له من الصحة، ومن ثم فهو خطر.
القاعدة الثالثة تتعلق ببناء الجيش الإسرائيلي، وتجهيزه للحرب، مما يتطلب النظر في التعامل مع السيناريو الأسوأ المحتمل، فـ(إسرائيل) ليس لديها، ولن تكون قادرة على التنبؤ بما ستكون عليه الظروف التي ستتطور إليها الحرب القادمة، وما الجبهات التي ستنشط فيها، وما السيناريوهات التي ستؤدي إليها، لأن كل واحد منها ستعمل على إيجاد سيناريو مختلف، ليس لديها القدرة على توقعها.
في الوقت ذاته، فإن الجبهة الداخلية الإسرائيلية ستكون تحت نيران هائلة، ومن الواضح أن التهديد بنيران شديدة الانحدار وصواريخ عليها أصبحت تهديدًا إستراتيجيًا، وليس مصدر إزعاج فقط، وهذا جوهر الفكرة المنهجية للمقاومة المتمثلة باستخدام قوة نيران واسعة النطاق من عدة ساحات ونطاقات، لتعطيل القدرة الحربية لـ(إسرائيل)، وتقويض معنوياتها، والقبة الحديدية في هذه الحالة، مهما كانت فعالة، لن تكون كافية لهذا الغرض.