النرويج توقف الدعم المادي لمركز "دلال المغربي" في قرية برقة غرب نابلس. لا يبدو هذا حدثًا عابرًا أو سطحيًّا، إنما يشير –بحسب مراقبين- إلى أنه يأتي في إطار تقديم الغرب الأموال للسلطة مقابل تبني رؤيته السياسية والأمنية.
ويأتي ذلك في ظل تصعيد إسرائيلي على الأرض، تمثل بمزيد من الإجراءات الرامية لتهويد القدس، وتكريس سيطرة الاحتلال، لا سيما بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة لـ(إسرائيل)، وإبدائه دعمًا مطلقًا لها.
وكانت وزارة الخارجية في حكومة رامي الحمد الله، أعلنت مؤخراً، أن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، الذي رفض تسمية المركز باسم الشهيدة المغربي، أصدر "ردودًا اختارت أن تتبنى الرواية والمصطلحات الإسرائيلية".
وينتقد المتخصص في السياسة الخارجية الأوروبية تجاه الشرق الأوسط، أديب زيادة، ما قال: إنه "ارتهان" السلطة لفكر التمويل الأجنبي، والتمويل من الخارج.
ويضيف زيادة لصحيفة "فلسطين": "الخارج ليس عبارة عن جمعية خيرية يقدم خدمات للفقراء والمساكين في منطقة ما"، مؤكدًا أن الدعم المالي الغربي هو للتأثير على المواقف السياسية وتقوية موقف سياسي على حساب آخر.
ويوضح أنه ما دام الموقف السياسي للسلطة "يتماشى مع الرغبات الصهيونية والأمريكية فلا ضير في أي مساعدة، ولن يكون هناك فيتو (معارضة) سواء كان من طرف النرويج أو أمريكا أو غيرها".
أما إذا لم يتفق الموقف السياسي مع ما يريده الغرب، فإن الأخير سيقول إنه ليس جمعية خيرية تقدم خدمات مجانية، مردفًا: "للأسف السلطة رهنت كل الواقع الفلسطيني للتمويل الأجنبي".
ويبين أن "جزءًا كبيرًا من ميزانية السلطة يأتي سواء كان من أمريكا أو من أوروبا، أو حتى من دول هنا وهناك، وهذا تمويل ليس مجانيا، ونعلم أن الفلسطينيين (يقصد السلطة) يدفعون أثمانا سياسية، هي تقديم خدمات أمنية للاحتلال الإسرائيلي، هي إطالة في عمر الاحتلال، وأمد الخضوع لرغبة الصهاينة والرغبات الغربية عموما".
ويقول زيادة: إنه لم يكن يستغرب أن يصدر مثل هذا الموقف من النرويج، مضيفا: "هذا درس ينبغي تعلمه، بأن هؤلاء عندما يبتسمون ويضحكون ويبدون أنهم متعاطفون جدا مع الفلسطينيين، فعلينا أن ندرك أن هذا التعاطف والتمويل والابتسامات وراءها سياسة مرتبطة بالأجندة الغربية التي تقوم على تثبيت أمن (إسرائيل) وقراءة الموقف على الساحة بأعين إسرائيلية، وترتضى ما يرتضيه الإسرائيليون".
ويلفت إلى أن ما تعتبره سلطات الاحتلال الإسرائيلي "إرهابا" تعتبره الولايات المتحدة والغرب كذلك، متهما السلطة بأنها "صنعت" ذلك، لأنها تتعامل مع المجتمع الغربي أحيانا "بنوع من التعمية على الموقف الحقيقي للشعب الفلسطيني من نضاله ومقاومته".
ويشير إلى أن ترامب صنف كبرى الحركات الفلسطينية، حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ضمن ما يسمى "قائمة الإرهاب"، أمام عشرات القادة والزعماء العرب، ولم ينبس الموقف الرسمي الفلسطيني أو العربي والإسلامي ببنت شفة.
وينوه زيادة إلى أن الغرب يرفض تسمية مراكز فلسطينية بأسماء شهداء ضحوا بأرواحهم في سبيل تحرير بلادهم من الاحتلال.
ويرجح أن تكون تسمية المركز اجتهادا من طرف القائمين عليه وليس من السلطة، معللا ذلك بأن الأخيرة "مواقفها معروفة، ولا يبدو في الأفق أن السلطة ستتراجع عن خدماتها السياسية والأمنية التي تقدمها للاحتلال والمشروع الغربي عموما"؛ على حد تعبيره.
وسبق لرئيس السلطة محمود عباس، أن أكد في مناسبات عدة، تمسكه بالتنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، ووصفه بأنه "مقدس".
وعما إذا كان وقف التمويل النرويجي لهذا المركز، سيفتح الباب أمام المزيد من الخطوات الدولية، يؤكد زيادة، أن الممولين لن يتوانوا عن وقف التمويل كلما ورد إلى مسامعهم أن هناك موقفا للسلطة سواء كان في أطرها الرسمية أو غير الرسمية، يتبنى رواية غير تلك التي يريدها الإسرائيليون.
ويوضح أن كل المساعدات الدولية تستثنى منذ عقود، كل الفئات الفلسطينية التي ما زالت على العهد، والتي رفضت أن توقع على ما يعرف بشروط اللجنة الرباعية الدولية، وأن تتعاطى مع الموقف الغربي.
من جهته، يقول عضو اللجنة الفلسطينية لمقاطعة الاحتلال، البروفيسور مازن قمصية: إن (إسرائيل) تضغط على الحكومات الغربية.
وتحدث قمصية، لصحيفة "فلسطين" عن "حرب بين المؤيدين للصهيونية والمؤيدين للعرب"، مبينا أن الاحتلال يستغل علاقاته للضغط على الحكومات حتى يحصل على ما يريد ويعرقل مساعي الفلسطينيين.
ويؤكد ضرورة مواصلة الفلسطينيين جهودهم في مقابل إجراءات الاحتلال الإسرائيلي، معتبرا أن الأخير لن ينجح في مساعيه.
لكنه يتمم: "مستوى نجاح الاحتلال يعتمد على نشاطنا وعملنا، فإذا سكتنا له ينجح أكثر"، لافتا إلى أن الشعب الفلسطيني نحو 12 مليونا، إضافة إلى مؤيديه في العالم بالملايين، وبالتالي من الصعب إنهاء القضية الفلسطينية باستعمال طرق الضغط على الحكومات.
وإذا ما وُضِعت الخطوة النرويجية في سياق "الضوء الأخضر" الأمريكي لـ(إسرائيل)، والتصعيد الذي أبدته الأخيرة بعد زيارة ترامب لها، فإن التساؤلات تظل مطروحة عما إذا كانت ستليها خطوات أخرى لتحقيق مزيد من المآرب السياسية والأمنية، وعن النوايا الإسرائيلية الأمريكية في المرحلة المقبلة، لا سيما مع حديث ترامب عن "صفقة" لتسوية القضية الفلسطينية.

