بعيدا عن الضجيج الإعلامي الإسرائيلي الذي يتحدث عن الضفة الغربية انطلاقا من معتقدات توراتية وتلمودية، مبررا لإبقاء احتلالها، وإقامة البؤر الاستيطانية عليها، وآخرها المسماة "أفيتار"، قبل إخلائها في الساعات الأخيرة، لكن الحقيقة الماثلة أمام نواظر الإسرائيليين أن هذه البؤر تعيدهم إلى الوحل اللبناني، ولكن هذه المرة في عمق الأراضي الفلسطينية.
مناسبة هذا الحديث أن الاحتلال نزف فعلا، بل استُنزف، خلال سنوات خلت في جنوب لبنان، من خلال حزام أمني سعى إلى خلق تواصل بين البؤر العسكرية آنذاك، واليوم تحت الذريعة الزائفة ذات لاستمرارية الاستيطان، يظهر واقع مماثل في الضفة الغربية يهدد أيضًا بالانفجار داخلهم قريبًا.
مستوطنة أفيتار هي الطريقة التي عاد بها الإسرائيليون للمستنقع اللبناني، وهذه المرة في عمق الأراضي الفلسطينية، وأي جندي إسرائيلي خدم في الحزام الأمني اللبناني لا يسعه إلا أن يرى أين توجههم قيادة المستوطنين بإنشاء بؤرة أخرى، وفي النهاية سيتم إخلاؤها، ولكن بعد سقوط المزيد من الخسائر الإسرائيلية.
"أفيتار" هي "عين الخطيئة" التي ستسفر عن تلك الخسائر، وهي مثال آخر لما يحدث الآن تحت أنوف الإسرائيليين، ولعلي لا أذكر مصطلح "البؤرة الاستيطانية" لأنه خدعة، ويعني مستوطنة غير شرعية، رغم أن كل المستوطنات غير شرعية.
سيكون من الأصح القول إن (إسرائيل) نزفت في جنوب لبنان، وشقت طريقها بين القرى الأكثر عدائية، وأصبحت البؤر الاستيطانية، التي كانت في البداية غير محمية حقًا، حصونًا عسكرية، وأصبح التنقل بينها مستحيلًا ما لم تكن مدرعًا ومحميًا، مع أن التسلسل المخطط بين البؤر الاستيطانية لإنشاء "الشريط الأمني" لم يحمِ أحدًا أو (إسرائيل)، بل زاد عدد خسائر الإسرائيليين، وغدا ثمن الدم باهظا.
الواقع الأمني في الأراضي الفلسطينية يشير لإنشاء المزيد والمزيد من المستوطنات المعزولة، وفي حالة مستوطنة أفيتار المقامة على أراضي الفلسطينيين في قرية بيتا، فقد كان المخطط أن تجلب معها بؤرة استيطانية معزولة أخرى، ومعها قوافل محمية لأطفال المستوطنين، حتى أن جهاز الأمن العام سيضطر لإنشاء منطقة أمنية خاصة لحماية لصوص الأراضي المستوطنين، ما سيكلفهم الدماء.
سعى المستوطنون لترويج ذرائع زائفة عن إقامة مستوطنة أفيتار، قبل إخلائها، بزعم إيجاد تسلسل بين بقية المستوطنات، ومنع الفلسطينيين من الاستيلاء على الأراضي في القرى المذكورة، وهذه كذبة فاضحة، لأن أفيتار لا تخلق تسلسلًا استيطانيًا، بل سلسلة متصلة من الخطر للجنود الذين يحرسون هذه المستوطنات.
من لا يريد من الإسرائيليين أن يتكرر ثمن الدم الغزير الذي دفعوه في لبنان، في فلسطين أيضًا، عليه أن يعمل بأسرع ما يمكن لوقف القهر والاحتلال والمحاولة الحمقاء والمستحيلة للسيطرة على شعب آخر، ونهب أراضيه.