على الرغم من الهدوء الكامن في الجبهة الشمالية لدولة الاحتلال مع الجبهة اللبنانية، فإن النقاشات التي تشهدها محافلها الأمنية والعسكرية تسعى لعدم تكرار ما تسميه "خطيئة" حرب لبنان الثانية، بفرض ثمن باهظ على حزب الله. صحيح أن تلك الحرب كانت لها مزايا أكثر من المعلنة، لكنها في الوقت ذاته كانت لها عيوب أكثر مما لاحظ أنصارها.
من منظور 15 عامًا حيث اندلعت حرب لبنان الثانية في 2006، تتمثل الميزة البارزة لتلك الحرب بتوفر الهدوء المطلق وغير المسبوق الذي جلبته للحدود الشمالية، وفي الوقت نفسه فإن العيب الأكبر لتلك الحرب أن حزب الله راكم قوته العسكرية، وأحدث حالة من التوازن الرادع المتبادل الذي خلقه ضد (إسرائيل).
لم تعد هناك شكوك كبيرة في أن جيش الاحتلال دخل حرب 2006 وهو غير مستعد، وتم وضع خططها في لبنان، في حين كان عدد أهداف حزب الله ضئيلاً، وبحث بصورة غير مجدية عن صورة للنصر، لكنه لم يحققها، مع العلم أن تلك الحرب شهدت تطبيق خطة العمل العسكرية للمنظمات المسلحة، وتم التعبير عنها منذ ذلك الحين حتى الحرب الأخيرة في غزة.
أفادت تلك الخطة بأنه إذا دخل جيش الاحتلال إلى عمق الأرض، سواء اللبنانية أو الفلسطينية، فسوف ينتظره كثير من الأفخاخ من المتفجرات والصواريخ المضادة للدبابات والأنفاق، وغيرها لقتل الجنود الإسرائيليين واختطافهم، ومنذ ذلك الحين أدى مسار العمل البسيط هذا لسباق تسلح والتعلم من كلا الجانبين، فالحزب وفصائل المقاومة في غزة، بدؤوا بتسليح أنفسهم بكمية هائلة من الصواريخ الدقيقة لضرب أهداف نوعية في قلب (إسرائيل).
تتحدث الأوساط العسكرية الإسرائيلية أنه تم تجهيز الحزب والمنظمات الفلسطينية بمجموعة متنوعة من الأسلحة الأخرى: الطائرات الشراعية والطائرات دون طيار، والقدرات تحت الماء، وقدرات الحرب الإلكترونية لتعطيل نشاط الجيش الإسرائيلي، وجباية الثمن من داخل المجتمع الإسرائيلي، فضلا عن خطة الحزب الطموحة لـ"احتلال الجليل"، عبر التسلل للأراضي الفلسطينية المحتلة، والاستيلاء على مستوطنة أو بؤرة استيطانية كاملة.
يدرك الحزب خطورة إحباط (إسرائيل) لخطة أنفاقه، ومدى تعقيد الحرب القادمة في الشمال، مع توافر منظومة القبة الحديدية، متبوعة بأنظمة العصا السحرية لاعتراض الصواريخ متوسطة المدى، بما في ذلك كروز، وقد ظهرت جليا في الحروب الأربع الأخيرة في غزة، حيث تزودت بأنظمة حماية، وشملت خططا هجومية، لضرب آلاف الأهداف التي تفرض على الحزب ثمنًا يجعله يفكر مسبقًا إذا كان يريد دخوله.
في الوقت ذاته لا تبدو دولة الاحتلال متعجلة في خوض حرب لبنان الثالثة، لأنها تعلم أن قدرات الحزب تضاعفت بنسب كبيرة، كماً ونوعاً، الأمر الذي قد يجبي منها أثماناً عصية على الاستيعاب!