بدأ الصراع الإيراني الأمريكي بقيام الثورة الإسلامية عام 1979، لأن الثورة قامت ضد الشاه وعلاقته بـ (إسرائيل) وواشنطن وتبعية إيران لها، واستغلال إيران ضد الاتحاد السوفييتي في صراع الحرب الباردة، ولذلك كانت إيران وتركيا الأهم لواشنطن بسبب جوارهما المباشر للاتحاد السوفييتي.
وقد حدثت أزمة مع تركيا عام 1974 ظهرت فيها أهمية تركيا لواشنطن والناتو، وتراجعت واشنطن عن عقوباتها ضد تركيا عقابا لها على غزوها قبرص واحتلالها شمال قبرص، لأن تركيا ردت على العقوبات الأمريكية بإغلاق قواعد الناتو العسكرية في الأراضي التركية.
وكانت خسارة إيران ضربة استراتيجية قاصمة لواشنطن لم تعوضها حتى الآن ويعتقد أنها تحاول استرجاع إيران وإخضاعها رغم أن قطار الزمن تجاوز الهدف.
المهم بدأت الثورة الإسلامية في إيران بمعاداة (إسرائيل) وواشنطن، وهي تعلم العلاقة العضوية بين الطرفين. ثم دخلت إيران منطقة الصراع من خلال لبنان ثم تدخلت إيران في سوريا ومعها حزب الله عندما اتسع نطاق المؤامرة في العراق واليمن، وصارت إيران تطالب برحيل القوات الأمريكية من المنطقة والخليج في وقت يتصاعد فيه المد العربي المتجاوب مع (إسرائيل) ضد إيران.
فإن قلنا إن الصراع الإيراني/ الأمريكي قد أثر في القضية الفلسطينية فلا بد أن نحدد هذا الأثر.
أولا: أدى الصراع الإيراني الأمريكي إلى زيادة اعتماد (إسرائيل) على واشنطن لمنع إيران من حيازة أوراق القوة، خاصة في القوة النووية والعسكرية عموما، واستدعى تهديد (إسرائيل) لإيران، ما أزعج واشنطن، واستجابت لـ(إسرائيل) ما زاد الصراع حدة.
ثانيا: أدى هذا الصراع إلى صراعات فرعية داخل المنطقة العربية، خاصة بين إيران والسعودية والبحرين والإمارات، مدعومة من واشنطن، ما خلق بؤرا للتوتر المزعجة لإيران ودفع هذه الدول إلى التقارب من (إسرائيل) وإحلال إيران محل (إسرائيل) بعد أن وصمت المقاومة المدعومة من إيران بالإرهاب. نكاية في إيران ومجاملة لواشنطن و(إسرائيل) فكأن الصراع العربي الإسرائيلي تغيرت وضعيته قبل أن يبدأ الصراع الأمريكي الإيراني بفضل كامب ديفيد وتمكين واشنطن لـ (إسرائيل) من العرب، فبدؤوا يقدمون مبادرات للتسوية ذرا للرماد في العيون وهم يضمرون التخلي عن فلسطين لـ (إسرائيل).
ثالثا: أدى إنشاء حزب الله في لبنان إلى تنبيه (إسرائيل) إلى عدو جديد بعد أن ظهرت إيران بديلا عن العرب في معاداة (إسرائيل) وقد غير حزب الله المعادلة الداخلية والإقليمية لصالح الشيعة وإيران وهذه حيثيات وضعت حزب الله في الجامعة العربية على قوائم الإرهاب.
رابعا: كانت المقاومة الفلسطينية تدعمها مصر عبد الناصر ثم تنكر لها السادات بعد أن سلم لـ (إسرائيل) وأكد مبارك الخط نفسه، مع ميل تلقائي لـ (إسرائيل) بفضل ثقل واشنطن، ثم تخلت مصر عن المقاومة، كما انحسر التأييد العربي لها لصالح (إسرائيل)، فدعمتها إيران في غزة ولبنان، وهذا من آثار الصراع الأمريكي الإيراني.
فهل ترتب على دخول إيران حلبة الصراع انصراف العرب عن القضية أم أن الانصراف أثر من آثار التبعية العربية لواشنطن قبل تقاطع الصراع الإيراني الأمريكي مع دائرة الصراع العربي الإسرائيلي.
الثابت أن العرب انصرفوا أولا فدخلت إيران ولذلك رحبت إيران بالثورات ضد الحكام العرب المتحالفين مع (إسرائيل) وواشنطن، وشكلت إيران معسكر المقاومة ضد (إسرائيل) وواشنطن، على أساس أن معسكر المقاومة يدعم فلسطين والأقصى، وأن (إسرائيل) وواشنطن والخليج يعملون على إخراج القضية الفلسطينية من دائرة الاهتمام الدولي.
خامسا: أصبحت مناصرة القضية الفلسطينية منفصلة عن دعم إيران، وهنا أعطى مساحة لبعض العرب أن يتضامنوا مع القضية دون الميل لإيران.
والخلاصة هي: إن اشتداد الصراع الإيراني الأمريكي يُضيِّق فرص الدعم للقضية الفلسطينية، ولا بد من المصالحة العربية الإيرانية، ولكن لمصلحة القضية، وضد (إسرائيل)، وهذه نتيجة لا تستند إلى الواقع المرير.
سادسا: مخطط (إسرائيل) لالتهام كل فلسطين والقدس ثابت وقديم قبل فصول الصراع الإيراني الأمريكي بل إن إيران الشاه كانت أداة في تنفيذ هذا المخطط. وترتب على ذلك أن قيام الثورة الإسلامية في إيران كان انتكاسة في هذا الجانب من المخطط، حيث فقدت (إسرائيل) حليفا قويا هو شاه إيران، وحل محله نظام يكن العداء لـ (إسرائيل) ويناهضها بدعم المقاومة والدفاع عن الأقصى والقدس.
مقابل ذلك وصمت الجامعة العربية المقاومة بكل فروعها الفلسطينية واللبنانية بالإرهاب، وحلت إيران محل (إسرائيل) في توجيه فائض الغضب العربي على الأقل في السعودية والبحرين والإمارات ولكن بقية الدول العربية لا تزال تعد (إسرائيل) العدو الغاصب، وحتى الدول التي دخلت دائرة الاعتراف والتطبيع بالغواية أو القسر مع (إسرائيل) لا تزال تؤيد الجانب الفلسطيني مثل السودان والمغرب والإمارات ولو نظريا.
وقد لاحظنا أن نفوذ (إسرائيل) بدعم أمريكي اخترق العالم العربي حتى قبل بروز سياسات إيران الثورة.
ولاحظنا أيضا أن الصراع السعودي الإيراني غير المباشر في اليمن وسوريا ولبنان والعراق هو فرع من أصل وهو الصراع الأمريكي الإيراني، كما أن العداء بين السعودية وإيران راجع إلى مسائل أخرى بخلاف الصراع مع واشنطن ومقابل التحالف الأمريكي السعودي.
نخلص مما تقدم إلى النتائج الآتية:
1- أن الصراع الإيراني الأمريكي بدأ مع الثورة الإسلامية التي قلبت التحالف الأمريكي مع الشاه إلى حالة من العداء الشديد بين إيران الثورة وواشنطن لأسباب كثيرة من بينها انحياز واشنطن الأعمى للمشروع الصهيوني ضد الإيراني والتركي، وهي السبب في أن الصراع بين المشروعات الثلاثة هو على جثة العالم العربي.
2- أن دخول إيران إلى ساحة الصراع مع (إسرائيل) بدأ بعد انسحاب العرب من الصراع وتآمرهم مع (إسرائيل) على غزو بيروت 1982، وعلى إخراج المقاومة الفلسطينية من المنطقة وأن إيران هي التي تسببت في انسحاب (إسرائيل) من لبنان.
3- أن الصراع الإيراني الأمريكي أدى إلى اشتداده في ساحات أخرى، حيث ركزت إيران على المقاومة كما ركزت واشنطن على السعودية وصار الصراع الإيراني الأمريكي ينعكس في ساحات واسعة في اليمن والإضرار بالسعودية، لبنان وسوريا والعراق الذي أصبح ساحة لتصفية الحسابات الإيرانية الأمريكية.
4- أن الصراع الأمريكي الإيراني لن ينتهي لأنه الإطار العام، بينما المنازعات والملفات يمكن تسويتها في إطار هذا الصراع ولكن انحسار الصراع ينعكس على الهدوء في مختلف الساحات والطريق إلى تسوية كل الملفات المرتبطة به.
5- أن الصراع مستمر لأن إيران مصرة على أن تكون لاعبا مستقلا في حين تسعى واشنطن إلى إخضاعها كغيرها في المنطقة.
6- استفادت القضية الفلسطينية من الصراع الأمريكي الإيراني، خاصة في المواجهة بين المقاومة و(إسرائيل).
7- إذا عادت اللحمة العربية حاضنة للقضية الفلسطينية على أسس واضحة فسوف ينحسر دور إيران، وربما تغلبت عليها واشنطن، لأن انسحاب العرب من القضية ونقد المقاومة والميل لـ (إسرائيل) عوامل إيجابية لإيران، إلا إذا تحالف العرب مع إيران وتركيا وغيروا خريطة المنطقة، خاصة مع انحسار النفوذ الأمريكي وتقلص العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.
ومع ذلك فالموضوع بحاجة إلى دراسات تفصيلية لأنه من أعمدة العوامل المشكلة للخريطة السياسية للمنطقة والمحددة لمصير القضية و(إسرائيل).