هل تستطيع أن تجزم بأن هذه الفرصة التي منحك الله (تعالى) إياها إذ بلغك رمضان ممكن أن تتكرر مرة أخرى؟
إن أي إنسان عاقل صاحب عقيدة صحيحة سيكون جوابه: "لا يستطيع أحد أن يجزم بأنه سيعيش إلى العام القادم، ولا حتى لحظة"، وهذا قول حق، نابع من صاحب إيمان صادق بالله (تعالى)، وبآياته إذ يقول: "فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ"، وإذا كان الأمر كذلك، وكنت لا تستطيع أن تجزم بأنك لن تعيش إلى رمضان القادم؛ فإنه يجب عليك أن تستفيد من هذه الفرصة التي منحك إياها الله (تعالى)، وماذا عليك لو حاولت أن تستثمر هذا العرض من الله (تعالى) أن تصوم إيمانًا واحتسابًا فيغفر لك ما تقدم من ذنبك؟، وهل أنت مستغنٍ عن مغفرة الله (تعالى)؟!، وهل تظن أنه لا ذنب لك ولا إثم؟!، وهل تعتقد أنك معصوم من التقصير في جنب الله (تعالى)؟!، ألم تسمع بقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطّائين التوابون"؟!، وهل أمامك وسيلة أخرى ترضي بها ربك، وتكفّر بها عن ذنبك أفضل من طاعته (عز وجل) والتزام أمره، إذ أمرك بالصيام؟!
إذًا، الأمر يحتاج إلى وقفة مع النفس، ويحتاج إلى تدبر للأمر، إذا فاتت هذه الفرصة؛ فما البديل؟!، وكيف نستطيع تبييض صفحاتنا عند الله (عز وجل)؟!
لقد فهم صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا الأمر، ووعوه جيدًا، لذا إن كتب السير كانت تنقل عنهم أنهم كانوا بعد رمضان يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، وستة أشهر أخرى يدعون فيها أن يبلغهم رمضان، ذلك أنهم بحسهم الإيماني عرفوا القيمة الحقيقية لهذه العبادة، فما رأينا أحدًا فرط فيها، وما منهم من قصر في استغلالها.
من أجل ذلك كله إنه جدير بي أن ألفت انتباهك إلى لصوص يسرقون منك ما تجنيه من الربح في تجارتك مع الله (تعالى)، هؤلاء اللصوص الذين يتربصون بصومك الدوائر كثر ومتعددون، على رأسهم وسائل الإعلام غير الملتزمة، هذه الوسائل التي لا تنفك تقدم الهابط والساقط من المواد الإعلامية، هذه المواد التي لا تلتزم بخلق ولا أدب، ولا علاقة لها بضوابط الدين وأحكامه.
وأضف إلى ذلك مجالس السوء التي تكثر فيها الغيبة والنميمة، ويكثر فيها التقوّل على الناس، والخوض في أعراضهم، وأذكرك هنا بأن من العلماء من قال بأن الغيبة والنميمة تفطّران الصائم، ولكننا نترك هذا القول ونأخذ بما هو أرجح منه، وهو أن الغيبة والنميمة تحبطان العمل، بمعنى أنهما تضيعان الأجر، فلا تستفيد من صومك شيئًا.
تقبل الله خالص الطاعات.