ما زالت الأوساط الإسرائيلية تتداول المزيد من دروس العدوان الأخير على غزة، خاصة في المجالين الأمني والسياسي، ولعل الدرس المقصود هو أن حل الدولتين مع الفلسطينيين يجب أن يدفن، من وجهة النظر الإسرائيلية، لأن فكرة إقامة دولة فلسطينية، باعتقادهم، خاسرة وخطِرة، وجاءت حرب غزة الأخيرة، وقبلها عدوان 2014، لتقدم مزيدا من الإثباتات أنه يجب التخلي عن هذا الحل تمامًا، وفق المواقف والرؤى الإسرائيلية.
يحمل أصحاب وجهة النظر الإسرائيلية هذه سيناريو يتخيل وضعًا توجد فيه دولة فلسطينية مستقلة، وذات سيادة في جميع أنحاء الضفة الغربية، وفي هذه الحالة يُطلَق أكثر من 4300 صاروخ وقذيفة على معظم المدن الأساسية المحتلة، والتجمعات والمرافق في الشريط الساحلي والجليل والقدس.
وقد تكون هناك عمليات إطلاق صواريخ من التلال الجبلية لقذائف مضادة للدبابات في اتجاه مباشر، دقيق إلى حد ما، باتجاه السهل الساحلي؛ ما يؤدي إلى شل حركة القطارات والمركبات ومسار الحياة للإسرائيليين، وهذا يعني أن مجرد التفكير بالتأثير في مصير (إسرائيل)، ومستقبلها، أمر مروع وخيالي، لكن يمكن تحقيقه على أرض الواقع، ولا يمكن لأي إسرائيلي أن يضمن غير ذلك، وهذه رؤية يتبناها عدد لا بأس به من رجالات الأمن وجيش الاحتلال.
في النهاية، تزعم تلك المحافل الإسرائيلية أن الغالبية العظمى من سكان الدولة الفلسطينية سيكونون من أنصار حماس، ناهيك بأنهم سيسيطرون عليها، ويمكن أن يكون مثل هذا الوضع واقعيًا بالتأكيد، وتجدر الإشارة إلى أن إلغاء انتخابات السلطة الفلسطينية الأخيرة أثبت الخوف الواضح من فوز حماس هناك، وأثبتت حرب غزة، أنه رغم "تحقيق بعض الإنجازات"، لكن جيش الاحتلال الإسرائيلي والقوات الجوية ذات القبة الحديدية لم تمنع إطلاق آلاف الصواريخ من غزة.
(إسرائيل) في الحقيقة لم تستطع منع تخيل سيناريو آخر، فإطلاق آلاف الصواريخ والقذائف من قطاع غزة وأراضي الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية، يعني أن تشهد (إسرائيل) تكرارا لمشاهد الاضطرابات الأخيرة، والشرطة الإسرائيلية كما رأينا ليست مستعدة لهذا التحدي، فهل يمكن لـ (إسرائيل) أن تتحمل مثل هذا الوضع الخطِر الذي لا يطاق، حيث تتعرض للهجوم من جميع الجهات.
وحتى لو كان هناك اتفاق إسرائيلي على نزع سلاح جزئي من الدولة الفلسطينية المقبلة، بحيث تكون دون أسلحة ثقيلة، فإن السؤال الذي يفرض نفسه عن الجهة التي ستمنع التنظيمات الفلسطينية المسلحة من العمل والانتشار في أراضي تلك الدولة، ناهيك بقوى الأمن الفلسطينية نفسها.
الخلاصة الإسرائيلية أن هذا التحذير يأتي تحسبا لما يبدو أنه تجديد للعملية السياسية تحت رعاية حكومة نفتالي بينيت - يائير لابيد، ربما من خلال ضغوط تمارسها إدارة الرئيس جو بايدن، دون توفر ضمانات لنجاحها، في ظل التناقضات الداخلية للحكومة الوليدة.