فلسطين أون لاين

جبال الضفة في خطر: جبل أبو صبيح نموذج

مستوطنات لقيطة تولد بسرعة على أراضي الضفة الغربية، وتتضخم بشكل لا يُعقل، تجذبها رؤوس الجبال وأعالي التلال حتى فاض عددها عن 121 مستوطنة، صادرت الأرض وطردت أصحابها، وأنهكت البيئة وأثَّرت في مصادرها وتوازنها، حتى فرضت على الأرض واقعًا جديدًا لم يكن موجودًا ذات يوم.

"أحط ثم تغلغل" هذه هي القاعدة التي يسير عليها المحتل للسيطرة على الأرض.

انطلِقْ مُتَنقِّلًا في الطرق المحاذية لجبال نابلس والقدس وبيت لحم ورام الله والخليل، الممتدة من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها، كن يقظًا، ولا تدع أيًّا من التفاصيل المهمة تفوتك، وانتبه جيدًا إلى رؤوس الجبال، سيلفت انتباهك تجمعات استيطانية تُحكم حبال مشانقها حولها، تخنقها وتحاول الفتك بها، تغرس فوق صخورها الجيرية وتربتها الخصبة بيوتًا غريبة الشكل، نشازًا، لم تتجانس يومًا مع النمط العمراني في بلادي.

ما من مناطق تجذبهم في الضفة ليصادروها ويقيموا على أرضها مستوطناتهم ومعسكراتهم أو محمياتهم الطبيعية المدَّعاة، أكثر من قمم الجبال، فماذا يريدون تحديدًا من وراء هذا التشويه والانتشار؟! فليرفعوا دنسهم عن جبالنا وليتركوها تعانق السماء بطهر ونقاء.

في تسعينيات القرن الماضي دعا أرئيل شارون جماعات فتيان التلال، وهم مجموعة متطرفة من طلبة المعاهد الدينية في المستوطنات، ولا تزيد سن الواحد منهم على 16 سنة ليكون تحت السن القانونية؛ فلا يجري عليه القانون، فيحاسب ولو صُوريًّا، رغم أنهم مدعومون من أعلى المستويات في دولة الاحتلال، يتواطؤون معهم ويشدُّون على أياديهم؛ دعاهم إلى اعتلاء قمم الجبال، ووضع بذور مستوطنات عليها، أُقيمت بناء على هذه الدعوة نحو 100 بؤرة استيطانية، دون أن يتوقف النهب حتى اللحظة!

تبدأ البؤرة الاستيطانية عادة بارتياد المستوطنين قمة الجبل الذي ينوون السيطرة عليه تحت دعاوي شتى، إحداها أنها مجرد زيارات عشوائية للتنزه أو الاستكشاف مثلًا، تتحول بعد ذلك إلى زيارات منتظمة، يبدؤون بعدها بإحضار أمتعة ومنازل متنقلة ثم يحيطون المنطقة بسياج لتحديدها، وعادة ما تتكون البؤرة الاستيطانية من بضع أفراد أو عائلة واحدة، يلي ذلك الخطوة الأخطر حين تهرع الجرافات إلى شق طريق للبؤرة الاستيطانية وتعبيدها وتمهيد الجبل ليصبح منطقة سكنية للمستوطنين، تسقط قمة الجبل بيد الاحتلال الذي يفترض أن له الحق الكامل في فعل ما يشاء متجاهلًا أي احتجاج شعبي أو قانوني من أصحاب الأرض.

ويبدأ بعدها التوسع وصولًا إلى الذروة حين تُصبح البؤرة الاستيطانية مستوطنة كبيرة، لا ينقصها أي من مقومات كبرى المدن. 

يُعادي المستوطنون المدججون بالسلاح الأشجار، فقد اقتلعوا نصف مليون شجرة، 70% منها أشجار زيتون، وأغلقوا مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية ومنعوا أصحابها من دخولها وممارسة عملهم الزراعي فيها تحت حجج وذرائع أمنية واهية.

فالاستيلاء على القمة يعني دون شك الاستيلاء على المنطقة المحيطة جمعاء بلا منازع، فالقمم تكشف المناطق المحيطة وتحاصر الشعب الواقع تحت الاحتلال وتضعه في دائرة مراقبة دقيقة وخضوع للسيطرة الأمنية الكاملة.

إذن، لتَأمنوا على أنفسكم وترتاح قلوبكم، فلا خطر عليكم!

نقطة أخرى مهمة توضح أهمية الجبال للمحتل وتفسر استهدافه لها على هذه الشاكلة؛ يحتوي كثير من الجبال على ينابيع وعيون ماء وخيرات طبيعية وثروات ومعادن وصخور وغابات وأحراش، يسيطر المحتل على هذه الموارد بسيطرته على الجبل ويؤمِّنها لنفسه فينتفع من خيراتها لخدمة أهدافه.

وما إن تُقام بؤرة استيطانية على أي أرض حتى تعاجل حكومة الاحتلال إلى مدِّها بالماء والكهرباء والخدمات الضرورية الأخرى، غير توفير الحماية اللازمة للمستوطنين بقوة السلاح؛ فالاحتلال لا يعترف بتصنيفات المناطق التي أفرزتها الاتفاقيات المختلفة تحت مسميات شتى، هو لا يعترف إلا بمصالحه وما يتماشى مع أهدافه، وما يسترضي اليهود المتدينين والجمعيات الاستيطانية التي يُشكل رضاها فارقًا لكل رئيس وزراء يصل إلى سدة الحكم، فهي من تكسبه مزيدًا من الأصوات في الانتخابات، وهي ما يمكنها أن تهوي به إلى الدرك الأسفل.

شاهدنا بأم أعيننا كيف هرع الفلسطينيون بصدورهم العارية يدافعون عن جبل أبو صبيح في منطقة بيتا محافظة نابلس قبل أيام، وقبله جبل العرمة ليستعيدوه بسواعدهم، وكيف اشتبكوا مع المستوطنين وأحرقوا البؤرة الاستيطانية التي إن تُركت تصبح بعد بعض الوقت مستوطنة ضخمة لا سبيل لاجتثاثها.

فالمعتدون لا يفقهون إلا لغة القوة، وسواها هباء تذروه الرياح.