يُحيي الإسرائيليون في هذه الأيام مرور 39 عاما على خوض حربي لبنان الأولى 1982، المسماة "حرب سلامة الجليل"، وبعد ربع قرن من الزمن تقريبا خاضوا حرب لبنان الثانية 2006، لكنهم في العدوانين على لبنان يستخلصون أنهم ركزوا في عملياتهم العسكرية على ما يعدّونها "الأهداف الخاطئة"، وإذا اندلعت حرب ثالثة، فإن الأمر يستحق تغييرا وتصويبا، من وجهة النظر العسكرية الإسرائيلية.
مع العلم أن دولة الاحتلال خاضت الحرب الأولى 1982، وحينها وصفها رئيس الوزراء آنذاك مناحيم بيغن بأنها "حرب الاختيار"، حين تحول الصراع مع الدولة اللبنانية من مشكلة هامشية إلى تحدٍ أمني مستمر، إذ بادرت (إسرائيل) لتلك الحرب بناء على وصف خاطئ للواقع.
جاءت الرواية الإسرائيلية للواقع اللبناني في ذلك الوقت، بوجود كتلتين سياسيتين تستقطبان السيطرة عليه: السيئ والصالح، الفلسطينيون بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وفي مقابلهم الكتائب المسيحية، وبدا من الصواب محاربة "الأشرار"، وجعل "الأخيار" يحكمون لبنان.
الأمر لم يتعلق في حينه فقط بمجرد سقوط الصواريخ في (إسرائيل)، فالنتيجة النهائية تفيد أنها تدهورت في تلك الحرب من أسبوع قصير فقط وفق الخطة العسكرية التي وافقت عليها الحكومة، إلى 18 عامًا في الوحل اللبناني.
لكن الواقع القائم في لبنان بات مختلفا تماما، مرة أخرى وفق القراءة الإسرائيلية، حيث يحكمه تحالف يشترك فيه حزب الله مع طبقة من الأثرياء السُّنة والمسيحيين، بما يسمح بإدارة الدولة كاملة، ويتمثل دور القيادة السنية المسيحية بإظهار الوجه الجميل للبلد، ذي الاقتصاد المنفتح، والصحافة الحرة، والأكاديمية على النمط الغربي.
يرى الإسرائيليون أن دور حزب الله يكمن في أنه القوة العسكرية الوحيدة في لبنان، والجيش اللبناني خاضع له فعليًا، ولذلك يرون ألا تقع (إسرائيل) في ذات الفخ الذي وقعت فيه عام 2006 خلال حرب لبنان الثانية، عندما قاتلت حزب الله وحده، لكنها تجاهلت دولة لبنان، واستمرت تلك الحرب 33 يومًا، واليوم نظرًا لكمية صواريخ حزب الله وحجمها ومداها، لا يمكن لـ(إسرائيل) السماح بمثل هذه الحملة العسكرية الطويلة.
تعتقد محافل عسكرية إسرائيلية واسعة أن الطريقة الوحيدة لاختصار تلك الحرب الثالثة، والانتصار فيها، أن تخوضها (إسرائيل) ضد الدولة اللبنانية كاملة، وليس ضد حزب الله فقط، وفي حين أن (إسرائيل) قادرة على تدمير لبنان في أيام قليلة، لكن العالم كله من إيران إلى الولايات المتحدة وفرنسا يخشون ذلك، لكنها الطريقة الأضمن للنجاح في حملة قصيرة، وفق التخطيط العسكري الإسرائيلي، كجزء من استخلاص الدروس من أخطاء حربي 1982 و2006، دون توفر ضمانات بنجاحها، أو الوقوع في أخطاء أكثر خطرًا، وأشد جسامة!