مع انقشاع غبار العدوان الإسرائيلي على غزة، بدأت تخرج المزيد من الانتقادات الخاصة بأداء جيش الاحتلال، وكان آخرها ما صدر في مجالس مغلقة عن قائده أفيف كوخافي إلى قادة الألوية بسبب فشلهم العملياتي؛ ما سيثير قلقًا بشأن أدائهم في أي عدوان مقبل.
يتركز انتقاد كوخافي هذه المرة لجنده وضباطه بسبب عدم استخدامهم ما عدّوه القوة اللازمة، رغم ما ارتكبوه من مجازر ومذابح دامية، لكن جوهر مآخذه عليهم تتركز في أن ذلك قد ينقل ضعفًا إسرائيليًا إلى الجانب الآخر، أي المقاومة، ولعل المقصود هو خديعة تدمير "مترو" حماس التي قصد جيش الاحتلال منها محاصرة المئات من مقاتلي المقاومة في الأنفاق، وقتلهم فيها.
ورغم ما تحدث به جيش الاحتلال الإسرائيلي في بلاغاته العسكرية عن ضرب المئات، وليس العشرات من الأهداف في غزة، فقد جاءت أرقامه مبالغ فيها للغاية، ولعل أحد أسباب عدم تنفيذ الفكرة العملياتية تلك الخاصة بتدمير شبكة الأنفاق أنها كانت عملية احتيال فاشلة، ويمكن الحديث بصراحة أن جيش الاحتلال كان خائفًا من تنفيذها.
من باب التذكير فقط، فإن عقيدة القتال الإسرائيلية تقوم على تقصير مدته، وتحقيق نصر واضح، والتدمير المضاد لقدرات العدو، وفي أي حرب مستقبلية هناك ثلاثة أهداف: إزالة سريعة للتهديد على الجبهة الداخلية، إصابة شديدة للعدو من أجل "كي" وعيه، والحفاظ على الشرعية الداخلية والخارجية في مستوى معقول.
ما سبق من توصيفات نظرية يدرسها جيش الاحتلال في أكاديمياته العسكرية وكراساته النظرية، لكن الواقع يقول إنه خسر معركة غزة، والأسوأ في نظر الجماهير الكبيرة في (إسرائيل)، يُنظر إليها على أنها هزيمة استراتيجية بالتأكيد، أما حماس فقد اكتسبت قوة كبيرة، ومن المشكوك فيه أنها ستغير أساليبها، وبدلًا من كسر التعادل الاستراتيجي، يبدو أن حرب غزة هي الحلقة الرابعة من سلسلة العمليات في غزة، وليست الحلقة الأخيرة.
شاهد إضافي على الانتكاسة الإسرائيلية في عدوان غزة تمثل في أن جبهتها الداخلية استمرت في تلقي الضربات طوال الأيام الأحد عشر، وباتت النتيجة معادلة مقلوبة: الجبهة الداخلية تحمي جيش الاحتلال، وليس العكس، وبدلًا من تعريض جنوده للخطر لحماية الإسرائيليين، يعرض هؤلاء أنفسهم للخطر لحماية الجنود، والسبب الرئيس في ذلك هو تلك العقدة التي تطارد جيش الاحتلال المتمثلة بالخوف من وقوع قتلى ومخطوفين في صفوفه.
الخلاصة أن أداء جيش الاحتلال، ومع مرور الوقت، وصدور المزيد من الانتقادات، ستؤدي لتراجع الثقة فيه؛ ما يعني أن (إسرائيل)، كلها، وليس جيشها فقط، ستدفع في نهاية المعركة المقبلة أثمانًا باهظة.