فلسطين أون لاين

"آلاء" تكفن "منيب" بعلم فلسطين وورد زفافهما

...
غزة/ مريم الشوبكي:

في يوم من الأيام دخل منيب على زوجته آلاء حاملًا علم فلسطين: "لما أستشهد لفيني فيه، ما تخلي أي حد يحطه عليّ غيرك"، بعد أربعة أعوام تحقق حلمه بالشهادة.

حملوا جثمانه ملتفًّا بالكفن الأبيض، وضعوه أمام آلاء فكفنته بالعلم وطبعت قبلة على جبينه، وزفته إلى الجنان بورد زفافهما وهي تردد: "الله أكبر، لا إلا إله الله"، احتفظت به عدة أعوام وهي لا تدري أنه سيكون ليوم وداع زوجها الأخير.

يوم اللقاء الأول بين آلاء العفيفي ومنيب أبو مصطفى، حينما جاءها خاطبًا جلس معها على انفراد قائلًا: "يا بنت الناس طريقي الشهادة، لو صار بيننا أطفال، ووقفت كل عيلتي وعيلتك لن أتوقف عن هذا الطريق، فكري منيح".

تقول آلاء: "استخرت الله، ورأيت رؤية أن بجوار بيتنا جامعًا عاليًا، أحسست أنها بشرى من الله ووافقت على خطبته على الفور".

كانت آلاء ومنيب مثل "ناقر ونقير"، كانا دائمي الخلاف، هي تستشيط غضبًا من بروده، وهو يرد عليها بضحكة تغطي على تفاصيل وجهه، كان احترامه وحبه لها شديدين، كان حليمًا حنونًا عليها.

"تالين وآية" هما وردتان تفتحتا في حياة آلاء ومنيب، كان عشقه لهما مبالغًا فيه، يرفض أن يوبخهما أحد أو أن يتسبب بنزول دموعهما، في آخر يوم احتفل معهما بـ"عيد ميلاد" وهمي طلبتاه من والدتهما التي صنعت لهما قالب كيك.

حمل منيب قالب الكيك وصعد حيث عائلته في الطابق الثاني، غنى لهما: "Happy birthday to you" وأضاء الشموع التي اشتراها، أخذ يلف مع تالين وآية حول الطاولة وأطفؤوا الشموع معًا، التي كانت آخر شموع يضيئها لهن في حياته.

قبل هذا الحدث كانت آلاء تعيش في ساحة كفاح، كان منيب يهلل ويكبر وهو يتابع الأحداث الجارية في المسجد الأقصى، ويطلب من ابنتيه أن ترددا: "ع القدس رايحين شهداء بالملايين"، كان صوته مرتفعًا.

تضيف آلاء: "طلبت منه مساعدتي في تنظيف البيت قبيل عيد الفطر، رد علي بضحكته المعتادة: (هذا الوقت ليس وقت التعزيل، القدس أهم)".

وفي العادة كانت آلاء لا ترى منيب سوى ساعات معدودة، فلم يقضِ معها إلا عيدًا واحدًا خلال سنوات زواجه بها، وقبيل استشهاده وعدها بأن يخصص اليوم الأول لعيد الفطر لنزهة معها برفقة ابنتيهما طوال اليوم، واليوم الثالث سيقضيه في زيارات إلى عائلته وعائلتها، ذهب إلى ربه وبقي وعده لها معلقًا.

في الثالثة والنصف عصر اليوم ذاته الـ10 من أيار (مايو) جاءه اتصال، فأخذ يجهز أغراضه على عجل، ولم ينسَ أن يودع محبوبته: "يا آلاء أنا طالع"، لتجيبه وهي غاضبة: "بدك تروح يومين وراح ترجع، روح الله يسهل عليك"، هز برأسه وضحك واستدار وهو يودعها بـ"مع السلامة"، ثم انتقل إلى بيت والديه "حضن ابنتيه الحضن الأخير".

قبيل موعد الإفطار بنحو خمس دقائق ورد اتصال لوالده يؤكد استشهاد ابنه منيب، على مسامع آلاء التي انهارت ولكنها أكملت إطعام طفلتيها، أصبح والد زوجها يهدأ من روعها: "بعوض الله يا عمي"، لم تستطع أن تبكي حتى لا تخاف طفلتاها، وصارت "تأن بصوت مكتوم".

لم تتمالك آلاء نفسها، اتصلت بوالدها لتخبره: "منيب راح يابا"، فيصبرها هو: "إن شاء الله يابا بكون عايش، لسه ما أعلنوا".

عاد الأمل إلى قلب آلاء لأن الإعلام لم يعلن بعد أسماء الشهداء، يوم إعلان وقف العدوان استيقظت باكرًا ونظفت البيت وزينته وتعطرت وعطرت بناتها، وجلسن على الأريكة ينتظرن أن يفتح باب المنزل ويأخذهن في حضنه، ولكن -يا للأسف- طال الانتظار وأتى منيب محمولًا على النعش بكفنه الأبيض.

حتى في المنام يأتي منيب ضاحكًا مستبشرًا، يدخل السكينة على قلب زوجة تلتاع ألمًا على فراقه، تستيقظ تردد دعاءها الدائم: "اللهم ارفع مقامي، ومقام زوجي وبناتي في الدنيا والآخرة".

منيب حصل على شهادة مزاولة مهنة المحاماة، وختم باسمه.

استشهد منيب وهو يحمل في قلبه نية الدفاع عن مقدساته وأرضه التي سلبها الاحتلال الإسرائيلي، كان إنسانًا مرحًا ضحوكًا متعلقًا جدًّا بابنتيه، اللتين فقدتاه إلى الأبد.