تزداد القناعات الإسرائيلية يومًا بعد يوم بأن العدوان الأخير على غزة انتهى كما كان سابقًا من عدم تناسق واضح بين (إسرائيل) وحماس، وتبين أن السياسة الإسرائيلية تجاه الساحة الفلسطينية تقوم على افتراضات خاطئة وإشكالية.
لقد انتهت مواجهة أخرى غير متكافئة بين (إسرائيل) وحماس بعد 11 يومًا من القتال، دون موافقة متبادلة، أو هدنة طويلة الأمد، مع أنه في حرب 2014 حددت نتائجها بأنها "تعادل استراتيجي غير متكافئ"، وفق الرؤية الإسرائيلية.
وعلى الرغم من الضربات القاسية التي وجهتها (إسرائيل) لحماس، لكن الحركة شنت حملة استراتيجية متعددة الأبعاد أبعد من المواجهة العسكرية في غزة، ووضعت نفسها بموقع القيادة السياسية والأيديولوجية والاستراتيجية في الساحة الفلسطينية، ونجحت في تقويض النسيج الحساس للعلاقات اليهودية العربية في (إسرائيل)، وإثارة موجات من الانتقادات لها في مجال حقوق الإنسان.
هذا يعني أن حرب غزة الأخيرة ككل العمليات السابقة، ليست حاسمة، رغم أن مخططيها الإسرائيليين خططوا أن الردع سيتحقق بإلحاق الأذى الشديد بحماس، وضرب قدراتها العسكرية، على الرغم من أن التقدير الإسرائيلي السائد ذلك لن يتم إلا بالمناورات البرية، والسيطرة على الأرض التي تُطلَق الصواريخ منها، وقواعد الهجوم، وما كان لـ"حارس الأسوار" أن تحقق ذلك، لأن (إسرائيل) بالأساس افتقرت لميزة المفاجأة الضرورية لتحقيق الإنجازات في مواجهة غير متكافئة مع حماس.
على الرغم من الهجمات الكبيرة التي نفذها سلاح الجو في غزة، لم يحقق جملة من الإنجازات العسكرية الأساسية، أهمها أن القيادة السياسية والعسكرية العليا لحماس لم تتضرر، ما شكل إخفاقًا كبيرًا لـ(إسرائيل)، ولأن التحرك العسكري البري يجب أن يكون جزءًا من التخطيط لأي عملية مستقبلية في القطاع، وهذه خطوة ليس هدفها احتلالًا إسرائيليًا كاملًا لغزة، بل هي بعد ضروري لإلحاق الضرر بمراكز الجاذبية العسكرية والسياسية لحماس، وضرب قدراتها العسكرية.
في سياق متصل، تبدو الحكومة الإسرائيلية والشرطة وجهاز الأمن العام في حالة قلق حقيقي من تحول الساحة الداخلية إلى ساحة أمنية نشطة معادية، خاصة في حالة حدوث نزاع مع عدو خارجي، الأمر الذي يستنفر المؤسسة الدبلوماسية الإسرائيلية لتكثيف مطالبتها بنزع سلاح غزة، ومنع تخزينه مستقبلًا، لأنه عنصر ضروري في أي تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين.
الخلاصة أن المستويين السياسي والعسكري الإسرائيليين يبدوان في حالة إجراء عملية استجواب واستخلاص دروس وعبر في مخرجات الحرب الأخيرة على غزة، من أجل العثور على حلول استراتيجية أفضل للمواجهة القادمة، لكن انشغالهم في الأزمة الحكومية الداخلية التي تأخذ كل أوقاتهم، يزيد من حجم الإخفاقات الداخلية والخارجية.