ما زالت الأوساط العسكرية والأمنية الإسرائيلية تبحث في تبعات ونتائج العدوان الأخير على غزة، من خلال تصور سيناريو عسكري متوقع تنخرط فيه دولة الاحتلال في حرب أمام حزب الله وحماس، وفي هذه الحالة ستكون معظم مناطقها تحت تهديد الصواريخ، وجنبا إلى جنب مع التصعيد في الضفة الغربية، وتطور جيوب التوتر الأمني داخل المدن العربية في فلسطين المحتلة.
يمكن الافتراض أن رغبة المقاومة في غزة خلال الجولة الأخيرة من القتال تمثلت بانضمام قوى أخرى بجانبها لمواجهة الاحتلال، بجانب اشتعال الضفة الغربية، ونزيف القدس، واستمرار المواجهات في المدن العربية المحتلة عام 1948، على أن يستمر ذلك فترة زمنية طويلة، وكل هذا بالتوازي مع جبهة أخرى ستفتح من لبنان.
مع العلم أن الضفة الغربية، وفق القراءة الإسرائيلية، ورغم الاحتمالات الكبيرة للتصعيد، فإنها ليست مشتعلة، لأن نشاط جيش الاحتلال الإسرائيلي، والتعزيزات العديدة التي جاءت إليها، وعززت الدفاعات، واعتقالات عديدة لنشطاء حماس على الأرض، كل ذلك أوقف مسار التصعيد، وهذا يؤكد أن الساحة في غزة ليست سوى جزء من التهديد الذي يجب على جيش الاحتلال والأجهزة الأمنية الأخرى الاستعداد له في المرة القادمة.
لقد كان من المقرر أن يخوض جيش الاحتلال مناورته الضخمة "شهر الحرب" قبل اندلاع حرب غزة، وفي قلب هذا السيناريو خوض المواجهة مع حزب الله، بجانب إطلاق الصواريخ من غزة، والتصعيد في الضفة الغربية، وأمام كل ذلك ترى دولة الاحتلال أنها بحاجة إلى جبهة داخلية، بعد تأكيد جيش الاحتلال منذ سنوات أنها أصبحت جبهة مركزية يوجه إليها الأعداء مركز ثقلهم في القتال.
رغم كل هذه المخاوف، فإن الاستعداد الإسرائيلي لهذا التهديد في السنوات الأخيرة ما زال جزئيا، لأن قدرات حزب الله في الشمال أكبر بكثير، والفرضية الأساسية القائلة بأنه ليس لديه مصلحة واضحة ببدء حرب مع (إسرائيل) يجب ألا تتسبب بتأخير الاستعداد لدى الجبهة الداخلية حسب وجهة النظر الإسرائيلية، مع العلم أن الاستعداد المقصود يشمل العديد من المؤسسات ذات العلاقة، ومنها قوات الاحتياط، نجمة داود الحمراء، فرق الإطفاء، وبالطبع السلطات المحلية، وهو ما تفتقر إليه دولة الاحتلال في صورته النموذجية، كما كشفت حرب غزة الأخيرة.
في ذلك السيناريو، فإن معظم المناطق المأهولة في (إسرائيل) ستكون مهددة، فقوة نيران حزب الله تبلغ أضعافا مضاعفة ما لدى المقاومة في غزة، كماً ونوعاً ودقة، مع العلم أن هذا ليس تحديًا خاصًا لقيادة الجبهة الداخلية، لكنه جهد يواجه كل مؤسسات الاحتلال، ولا يبدو أن حرب غزة قدمت إجابة شافية أمامه لمواجهة فرضية أكثر صعوبة وأشد قسوة!