مع انقضاء الحرب الإسرائيلية على غزة يتضح أن المقاومة كشفت عن سلسلة تدريجية من مفاجآتها جعلت جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية في حالة ارتباك حقيقي حيال كيفية التعاطي معها، وقلق جدي من عدم "نضوب" هذه المفاجآت، واحتمال أن تتواصل مع كل يوم يتواصل فيه العدوان.
وبعد وقف إطلاق النار لم تجد أوساط الاحتلال الأمنية والعسكرية جوابًا واضحًا عن السبب الذي دفع كتائب القسام إلى أن تطلق شرارة هذه المواجهة بتوجيه صواريخها نحو الهدف الأبعد جغرافيًّا وسياسيًّا، وهو القدس المحتلة لا مستوطنات "غلاف غزة"، كما جرت العادة في كل مواجهة.
مع العلم أن المقاومة بدأت مواجهتها للعدوان الإسرائيلي بالطريقة "التنازلية"، إذ بدأت في الساعات الأولى قصف مواقع في القدس المحتلة و(تل أبيب)، ما شكل مفاجأة ثقيلة العيار لـ(إسرائيل) التي عدت ذلك خرقًا لما تعده "سيادة" على القدس، فضلًا عن عدّ ذلك اجتيازًا فلسطينيًّا لخط أحمر، لأن القصف جاء في الساعات التي يستعد فيها المستوطنون لاقتحام المسجد الأقصى.
وجرت العادة لدى المقاومة أن تبدأ مواجهاتها مع الاحتلال بالطريقة "التصاعدية"، إذ تبدأ بالمستوطنات الحدودية مع غزة لكونها لا تشكل ضغطًا على الحكومة وجيش الاحتلال، لكنها كسرت القاعدة هذه المرة وبدأت من الأعلى وصولًا إلى الأسفل.
أيضًا دأبت الآلة الإعلامية والعسكرية الإسرائيلية على ترديد عبارة مفادها أن كتائب القسام تحوز بضعة آلاف من القذائف الصاروخية بسبب الحصار المفروض على غزة، وعدم وجود معدات ومواد للتصنيع الذاتي فيها، لكن استمرار الكتائب طوال الأيام الـ11 من العدوان في إطلاق رشقات صاروخية ما لا يقل عن 100 صاروخ في المرة الواحدة أربك الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
ولم يكن سرًّا أن الاحتلال أعلن منذ بداية العدوان أنه يلاحق قادة المقاومة، لا سيما الصف الأول من قيادتها العسكرية، وفي سبيل ذلك نشر معداته التجسسية حول القطاع، وبث معلومات استخبارية لمحاولة الحصول على طرف خيط يوصله إليهم، وسعى إلى تقطيع أوصال غزة لمنع تنقلهم من مكان إلى آخر، حتى وصل به الأمر إلى الاعتراف رسميًّا أنه حاول اغتيال قائد أركان القسام محمد الضيف مرتين في الحرب وفشل فيهما.
وقد أدركت قيادة المقاومة العسكرية أن الاحتلال يسعى لتحقيق ما سماها "صورة انتصار"، وتتمثل ذروتها في النيل من أحد قادتها العسكريين الذين شكلوا لدولة الاحتلال خصمًا عنيدًا وعدوًّا لدودًا لأنهم أهانوها ووجهوا لها ضربات في الصميم، ما دفع المقاومة لأخذ مزيد من الاحتياطات الأمنية لتفويت الفرصة على الاحتلال بعدم منحه هذه الصورة، رغم أن هؤلاء القادة هم بالأساس "مشاريع شهادة"، ويعيشون -كما يقولون- في الوقت المستقطع من حياتهم.