شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجوما عسكريا على قطاع غزة استمر 11 يوما استخدمت فيه قوات الاحتلال آلتها "الحربية المميتة"، وأدخلت كل الأسلحة المحرمة دوليا في هذه الحرب مكتملة الأركان، دون اعتبار لكل المعايير الدولية أو القواعد التي يفرضها القانون الدولي، أو القانون الدولي الإنساني، وقد اخترقت اتفاقيات جنيف كعادتها ولم تلقِ بالا لكل الدعوات الدولية لوقف الحرب.
فسقوط مئات الضحايا بين شهيد وجريح لم يشكل كابحا أمام سلوكها العدواني، ولم يدفعها لوقف النار المنصبة على المدنيين، أو حتى تفادي الإضرار بالأهداف المدنية، أو بذل العناية المطلوبة في أثناء هجماتها التي تمت بتنسيق من قواتها في: (البر، والبحر، والجو).
ومع كل استهداف تتكشف الحقائق مجددا أن الصواريخ لم تكن تستهدف المواقع، أو المقاتلين، أو منصات الإطلاق للمقاومة، وغيرها من الأهداف التي تكون ضمن التصنيف العسكري، فطواقم الإنقاذ في كل ساعة بعد القصف تتوجه للأماكن المستهدفة لإخماد الحرائق، ومحاولة إخلاء الجرحى، ونقل الشهداء، لتجد أن هناك ضحايا جددًا في صفوف المدنيين من: الأطفال، والنساء، والشيوخ، والشباب من غير المقاتلين.
الأمر الذي يؤكد أن "غرف القيادة" لجيش الاحتلال تعطي الإشارة لكل من: سلاح المدفعية، وسلاح الطيران، وسلاح البحرية لاستهداف كل المناطق المدنية بصورة مباشرة وممنهجة، وذلك ضمن خطة تسعى لإحلال الدمار الشامل في تلك المناطق، والتي لا تحتمل هذا الكم من الهجوم بالصواريخ والقنابل الثقيلة والمحرمة، التي تستخدم غالبًا في حروب تندلع بين الجيوش الكبيرة في ميادين الحرب على جبهات تتنوع فيها الأهداف العسكرية.
وهذا بدوره ينبئ بسلوك عدواني غير مسبوق يندرج ضمن الجرائم الدولية من صنوف جريمة الحرب، وجريمة العدوان، وجرائم الابادة، والجرائم ضد الإنسانية، والتي تدخل ضمن نطاق "الاختصاص الموضوعي" للمحكمة الجنائية الدولية، وتجعل قوات الاحتلال عرضة للانتقاد والتنديد الدولي، وتفتح الباب أمام التحقيق في هذا الجرائم بعد توفر أدلة كافية سواء كان ذلك من خلال: الصور، وشهود العيان، وتوثيق المراكز والهيئات المعنية والمراقبة لحقوق الإنسان.
الأمر الذي يشكل هاجسا للاحتلال وباعثا على القلق خشية تحريك دعوات حقوقية لفتح تحقيق في هذه الجرائم، وبالتالي: تعريض مختلف مستويات القادة العسكريين، والسياسيين، للملاحقة القضائية ممن تورطوا بشكل مباشر أو ثبت اتصالهم بما يجري في غزة من عدوان.
لكن وعلى الرغم من ذلك فإن الاحتلال الإسرائيلي كان يتصرف بحرية تامة في عملياته العسكرية "غير المشروعة"، التي شكلت عدوانًا وإرهابًا مباشرًا ومنظمًا لإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر، سواء كان ذلك فيما يتعلق بالأرواح، أو الممتلكات، والذي ظهر للعيان حين أسقطت القنابل الثقيلة بواسطة الطائرات، على الأبراج والمباني السكنية، والمدارس، والمساجد، والمقار الحكومية، ومحيط المشافي، والمزارع، والبنية التحتية والطرقات.
وكذلك قذائف المدفعية التي فرضت ما اصطلح عليه (بالحزام الناري) الذي تركز في المناطق القريبة من السياج الأمني الفاصل مع القطاع مستهدفة بذلك المساكن والمزارع القريبة، وقد تزامن ذلك مع استهدافات عشوائية ومكثفة انطلقت من البحر، حيث البوارج والقطع الحربية الإسرائيلية التي تعمدت إغلاق البحر، وتحويله لمنطقة عسكرية مغلقة، في ظل استهدافها لأربعة أنواع من الممتلكات المدنية الممتدة على شاطئ البحر، هي القوارب والسفن ومعدات الصيادين، والاستراحات العامة للمدنيين، والمباني السكنية، والمزارع القريبة.
فضلا عن عشرات الطائرات المسيرة من دون طيار التي كانت تسيطر على الأجواء بصورة كاملة لإرهاب السكان في ظل قيامها بمهام قتالية متعددة لإسناد سلاح الجو، وسلاح البر، وسلاح البحرية، حيث تنوعت مهامها في نوعين من المهام، المهام الاستطلاعية وتحديد الأهداف المدنية، وتنفيذ اغتيالات في صفوف المدنيين سواء كانوا مزارعين، أو منقذين، أو قصف الأهداف بصورة أولية لإرشاد الطائرات لمعاودة القصف بصورة قوية جدًّا وعنيفة.
لكن اللافت أن جيش الاحتلال يحاول ممارسة أساليب مختلفة قبل القصف الجوي، أو البحري، أو البري في بعض الوقائع، بالاتصال على سكان بعض البنايات ضمن التكتيكات الجديدة التي يدخلها على ممارساته العدوانية، والتي تكون ملازمة لخططه العملياتية، بمعنى إجراء اتصال أخير للإخلاء الفوري من الأبراج أو بعض المباني السكنية الأخرى والمؤسسات المختلفة قبل القصف.
وهذا لا يتكرر مع كل الأهداف بحيث يتم الاتصال على بعض السكان في بنايات بعينها وبأعداد محدودة، في حين يتم قصف بقية المباني فورًا وارتكاب مجازر بحق المدنيين، في أقسى تصرف وحشي يمارسه هذا الاحتلال المجرم، وهذا يدلل على أن الهدف من الاتصالات ليس هامشيًّا بل ضمن الأهداف الكبرى التي يسعى جيش الاحتلال لتحقيقها أو التي ستترتب على هذه الحرب والعمليات العدوانية.
وبالتالي فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي الدموي ليس حريصا على حماية المدنيين، حتى وإن سوق ذلك عبر إعلامه، وناطقيه، وروايته المضللة، لأن عقيدته القتالية منبعثة من استخدام المدنيين دروعًا بشرية، وإدخالهم ضمن أوراق الضغط خلال الحرب، والتركيز على استهدافهم المباشر، لاعتقاده بأن ذلك يحقق مكاسب سياسية وميدانية، سواء بإحلال الخوف في نفوس السكان، ودفعهم للانفضاض عن المقاومة، أو الضغط من خلالهم على المقاومة لإجبارها على الرضوخ والاستسلام.
ونستطيع القول إنه حاول تحقيق جملة من الأهداف بهذه الاتصالات التي يتم تسجيلها وتوثيقها طرفه بالصوت والصورة، وتكون ضمن أرشيف خاص بهذه العملية العسكرية العدوانية ونذكر أبرزها:
أولا: تعزيز روايته وإثبات صحة ادعاءاته حول حرصه على تفادي الإضرار بالسكان.
ثانيا: إظهار مدى التزامه المعايير الدولية وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني المتعلقة بالحرب.
ثالثا: توفير أدلة دامغة أنه لم يكن حريصا على استهداف المدنيين وتقديم هذه الاتصالات ضمن مستندات يتم الدفع بها أمام المحاكم إذا كانت هناك دعوات.
رابعا: خداع العالم سواء كانت حكومات، أو منظمات، أو شعوب، أو وسائل الإعلام.
ولو فندنا هذا الاتصال على السكان فإنه بحد ذاته جريمة حرب وذلك لأنه إكراه معنوي على مغادرة المناطق المدنية وهي ليست ساحات معركة أو مواقع عسكرية، وتعريض حياة السكان للخطر الشديد في الطرقات والساحات العامة في ظل القصف العشوائي وعدم توفر مناطق آمنة كبدائل عند إجبارهم على الخروج، أيضا إعطاؤهم دقائق محدودة لا يسمح بنقل مستلزمات شخصية طارئة أو إخلاء معدات أو أجهزة أو أمتعة خاصة، هذا إضافة لعدم توفر أي ضرورة أو أسباب معقولة للقصف.
الأمر الذي يفرض على كل من: الكتاب والمحللين، والإعلاميين سواء كانوا مراسلين أو مقدمي برامج أو غيرهم، ونشطاء حقوق الإنسان، والقادة السياسيين، والباحثين، والنشطاء، وغيرهم عدم التعاطي مع الرواية الإسرائيلية التي تحاول ترسيخ مفهوم (تحذير السكان) قبل القصف، والتوقف عن تناقل وبث فيديوهات متعلقة بهذا الأمر لانعكاساتها الخطرة علينا جميعا.