"إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" رؤيا رآها (صلى الله عليه وسلم) في منامه قبل اللقاء العسكري الأول بين أمة الإسلام وأمة الكفر، كان لها عظيم الأثر في نفوس المسلمين الأوائل، كان فيها المشركين في حالة قلة، ومهدت للنصر.
الزمان: 17 رمضان العام الثاني للهجرة.
المكان: أمام آبار بدر بين المدينة المنورة ومكة.
أطراف الصراع: ألف مقاتل من قريش قبالة 314 مقاتلًا من المسلمين.
الحكاية: بدأت قبل اللقاء العسكري الأول بكثير.
ظهر الدين الجديد الذي يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له في مكة، ومنذ اللحظة الأولى كذبته قوى الكفر وحاربته باختلاف مسمياتها، ولكن قريش تصدرت المشهد، فعذب كفارها المسلمين الأوائل وقتلوا منهم، وشرَّدوهم وصادروا أموالهم، دون أن يستطيع ذلك القضاء على الدين الجديد أو أتباعه، بل ازدادوا قوة وحنكة في التعامل مع الظروف المستجدة، ثلة منهم هاجروا بدينهم إلى الحبشة، وامتد الدين إلى يثرب، وعقدت وفودها بيعة العقبة من الأوس والخزرج مع نبي الإسلام، الذي وجد في هجرة المسلمين إلى يثرب منفذًا لإنقاذ هذا الدين قبل أن يلحق بهم مهاجرًا برفقة صاحبه الصديق.
احتوى الأوس والخزرج المهاجرين الذين تركوا كل شيء خلفهم في مكة، وفروا بأنفسهم ودينهم فقط، فأكرموهم وتقاسموا معهم كل ما يملكون فسُموا الأنصار، لم تكن قريش العدو الوحيد، بل كان هناك اليهود والأعراب والمنافقون أيضًا الذين ناصبوا الإسلام والمسلمين العداء، وكان يجمعهم الرغبة العارمة في القضاء على هذا الدين والتخلص من أهله.
بعد بدء هجرة المسلمين إلى المدينة، استيقظت قريش على نفسها وتنبهت للخطر الماحق الذي يضيق الخناق على دين آبائها، فحاولت استدراك ما فاتها والتوجه مباشرة إلى قتل الرسول الكريم، من طريق فتيان استقدمتهم من جلّ بطون قبائل مكة ليتفرق دمه بين القبائل فيعجز بنو هاشم عن المطالبة بثأره منهم، وكما نعرف جميعنا تفاصيل نجاته منهم وخروجه من بينهم، إذ بلغ المدينة بعد صعوبات جمة فاستقبله أهلها استقبالًا حافلًا منشدين: "طلع البدر علينا ...".
في هذه الأجواء العدائية المنذرة بالخطر قرر المسلمون بقيادة رسول الله فرض معادلة جديدة على الأرض، باستهداف القوة الاقتصادية لقريش ومصدر ثرائها، ألم تصادر أموال المسلمين في مكة وتسلبهم كل ما يملكون؟! العين بالعين والسن بالسن، فلماذا لا تكون تجارتها وقوافلها التي كانت تعبر طرق يثرب من الشام وإليها هدفًا لهم؟!
أقبل أبو سفيان بقافلة تجارية كبيرة لقريش محمَّلة بمختلف البضائع التجارية، فصدر قرار الخروج للسيطرة على القافلة، ولكن أخبار خروج المسلمين بلغت أبا سفيان الذي أنقذ القافلة بتغيير الطريق، ولكن قريش أصرت على اغتنام الفرصة لاستئصال شأفة المسلمين نهائيًّا، وقررت أنه حان الوقت للقضاء عليهم بالسلاح، أو تأديبهم على أقل تقدير.
خرج الأنصار والمهاجرون على قلب رجل واحد بقيادة رسول الله تحت راية الإسلام، وجعلوا آبار بدر خلفهم، انتظموا في الصفوف تتوقد نفوسهم للقتال الذي بدأ بمبارزة حامية بين قيادات قريش ومهاجرين تمكنوا من قتل المشركين، ليلتحم الجيشان بعدها.
انتهت المعركة بمقتل نحو سبعين شخصًا من الكفار، منهم قيادات قريشية بارزة، وأسر سبعين آخرين افتدوهم بالمال، أو بتعليم المسلمين القراءة والكتابة، وعفي عن آخرين فقراء. أما بقية الجيش فعادت إلى مكة تجر ذيول الهزيمة والخيبة، بعد أن ضُربت هيبة قريش وأصيبت في مقتل، وأصبح اقتصادها بأيدي المسلمين.
انتصر الإسلام وارتفع نجمه في المدينة، وغدا جميع الأعداء يحسبون ألف حساب لهذه الثلة المؤمنة التي قويت شوكتها.
"وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ".