69 عاما مرت على إنشاء دولة الكيان الصهيوني, ولو سألنا سؤالا محددا: هل كانت هذه السنوات كفيلة بخلق مجتمع إسرائيلي متجانس, منتمٍ لبلده؟ لا يخفى الجواب على أحد بالطبع! إنه “لا” كبيرة. الأمر الذي يدلل على أن المستوطنين الغريبين عن أرضنا سيظلون دخلاء عليها, فاليهودي الروسي موطنه وبلده تظل روسيا, وهكذا بالنسبة لكل الاثنيات اليهودية المهاجرة إلى الوطن الفلسطيني العربي الكنعاني اليبوسي الخالد. لعل الحركة الصهيونية حينما صنعت أساطيرها التضليلية حول الأرض الفلسطينية, فإما أنها لم تدرس أو هي تجاهلت تاريخ الغزوات على فلسطين ومصائرها. وأنها أيضا لم تدرك حقيقة الشعب الفلسطيني وتمسكه بأرضه. دليلي, الاستطلاعات الإسرائيلية التي تجرى بين الفينة والأخرى, منها مثلا: إن 27% من السكان اليهود في الكيان “يرغبون بالهجرة من البلاد لو تمكنوا من ذلك”, ذلك وفقا لاستطلاع أجراه معهد “ميدغام” للاستطلاعات لصالح مشروع “رحلة “إسرائيلية” التابع لوزارة التربية والتعليم والجيش الصهيوني منذ شهرين. ونقل نتائجه موقع الـ48 الإعلامي, وورد فيه أنه وفقا للاستطلاع, فإن 36% من اليهود العلمانيين في الكيان يرغبون في الهجرة, بينما قال 7% من اليهود المتدينين إنهم يرغبون بها. وتبين أن الراغبين في مغادرة فلسطين المحتلة هم بالأساس شبان يهود في سن أعمار تتراوح ما بين 23 و29 عاما. وفيما يتعلق بتعريف الهوية, قال 83% من اليهود المحافظين دينيا و90% من المتزمتين, إنهم يعرفون أنفسهم كيهود, بينما 53% من العلمانيين يعرفون أنفسهم كيهود و44% يعرفون أنفسهم كـ “إسرائيليين”.
لقد أُجري الاستطلاع بمناسبة مؤتمر “رحلة إسرائيلية كدافع للتغيير”, بهدف ما سمي إيجاد طرق لخطاب مشترك في الشارع الصهيوني. وقال مدير عام المشروع أوري كوهين, إن حقيقة أن عددا كبيرا كهذا يقولون إنهم سيغادرون البلاد لو تمكنوا من ذلك، تدل على أن الكثير من مواطني “إسرائيل” لا يشعرون بالانتماء للدولة. وهذا مقلق ويحتم علينا جميعا مواجهة هذه القضية الصعبة. وأضاف أن “معطيات الاستطلاع تدل على وجود مشكلة بالشعور بالهوية, والارتباط والانتماء للدولة” في الكيان.
من ناحية أخرى ,عبّر الكاتب “الإسرائيلي” آريه شافيت عن قلقه الشديد من تعاظم ظاهرة توجه “الإسرائيليين” للحصول على جوازات سفر أجنبية, بسبب عدم ثقتهم في إمكانية بقاء “إسرائيل”, واستطرد ,أن فرص قدرة الدولة على البقاء قد تراجعت, بسبب العمى الذي أصاب قيادتها, والجمود الفكري الذي يتسم به أداؤها. إن الطلاب اليهود هم الذين يقودون حركة المقاطعة ضد “إسرائيل” في الولايات المتحدة, وهو ما يدلل على تآكل القناعة “الشعبية اليهودية” بعدالة المواقف الصهيونية. في السياق نفسه, جاءت مقالة الصحفي “الإسرائيلي” جدعون ليفي, الذي يرى “أن رفض القيادات “الإسرائيلية” إقامة دولة فلسطينية يجعل مصير “إسرائيل” كله تتهدده الأخطار”. لذا يطالب بإنهاء سريع للاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة, من أجل مصلحة مستقبل الوجود “الإسرائيلي” نفسه, وحتى هذا الطرح – يقول ليفي- لا يعجب “الإسرائيليين”..
في إحدى ندواته, تحدث الكاتب “الإسرائيلي” سامي ميخائيل عن العنصرية الصهيونية في الكيان, من خلال القول: “إن بإمكان “إسرائيل” أن تتفاخر بلقب أنها الدولة الأكثر عنصرية في العالم المتطور”. وعن سياستها قال الكاتب: “يوجد خطر حقيقي على “إسرائيل” إذا لم تدرك قيادتها حقيقة أن دولتنا ليست موجودة في شمال أوروبا, وإنما في المركز النشيط للشرق الأوسط, المعذب والقابل دوما للتغيير. وقال ميخائيل محذرا:” قد نفقد كل شيء, ودولة “إسرائيل” ستكون ظاهرة عابرة مثل الهيكل الأول والهيكل الثاني”. سامي ميخائيل باحث في الشؤون الإستراتيجية, وأديب له العديد من المؤلفات, من بينها الأدبية وقد ترجم بعضها إلى لغات عديدة.
أيضا, صرح أبراهام بورغ بأن (إسرائيل) دولة فاشية, قوة استعمارية شبيهة بألمانيا عشية صعود النازية إلى الحكم، وأن أكثر من نصف النخب الإسرائيلية لا يريدون لأبنائهم العيش في (إسرائيل), ونصح الإسرائيليين باستصدار جوازات سفر أجنبية. و“إن يهودية دولة (إسرائيل) ستقرب نهايتها”. حينها أثارت المقابلة ضجة كبيرة في الكيان الصهيوني, فبورغ هو ابن الحاخام يوسف بورغ, الذي كان مقربا من ديفيد بن غوريون, وتولى منصب رئاسة الوكالة اليهودية لسنوات عديدة, وتسلم رئاسة الكنيست في الفترة بين عامي 1999-2003 وتولى مناصب وزارية عديدة, ونافس مراراً إيهود باراك على زعامة حزب العمل.
في السياق نفسه يأتي المؤرخ ايلان بابيه. يقول: “إنه ونتيجة لعنصرية (إسرائيل) ودمويتها لم يستطع العيش فيها”, ولذلك غادر إلى بريطانيا, وهو يمارس التدريس في إحدى جامعاتها. نكتفي بهذا القدر من تصريحات وتوقعات كتّاب إستراتيجيين يهود لمصير الكيان الصهيوني, لتقول للقراء العرب, إن العديد من الكتّاب والإستراتيجيين وحدهم يتوقعون أن تكون هذه الدولة عابرة للتاريخ فقط, بل كثيرون من الكتاب والإستراتيجيين اليهود.