إنّ مبررات عدم الضم أو تأجيله التي يسوقها بعض المراقبين، هي خارج إطار الواقع الفعلي وهي ليست أكثر من مناورة نحذر منها.
بات كثيرون من المراقبين والمحللين السياسيين يشككون في إمكانية قيام نتنياهو بضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت إلى دولة الكيان بدءاً من أوائل شهر يوليو/ تموز القادم. معتمدين في تحليلاتهم على ردود الفعل العالمية الرافضة لسياسة «إسرائيل» لضم هذه المناطق، وبخاصة دول الاتحاد الأوروبي التي أصدرت بياناً ضد هذه الخطوة، أيضاً اعتماداً على تصريح لمسؤول أمريكي للـ«قناة 13» العبرية بأن هذا الموعد ليس مقدّساً، كما تصريح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في زيارته الأخيرة لـ«إسرائيل» أنه «ليس ثمة ضوء أخضر أمريكي للضم، ولا تشعر إدارة ترامب بأنها مستعدة للانخراط في قضية الضم بعد»، وأيضاً أن اهتمامات الحكومة «الإسرائيلية» منصبّة على مجابهة الكورونا حالياً».
من جانب آخر، يقول الكاتب تسفي بارئيل في «هآرتس» (20 مايو/أيار الحالي): «إن سياسة الضم التي اقترحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منذ فترة طويلة والتي أكدها أخيراً في اتفاقه التحالفي مع نائب رئيس الوزراء بيني جانتس، تقلل من شأن جميع الذرائع الأخرى التي تحذّر من الضم، مستشهداً بخطوة ضم القدس وكيف أصبحت حقيقة قائمة رغم كل الاعتراضات في حينه واعترفت بها أمريكا وهي تدافع عنها حالياً.
وخلص الكاتب إلى أنه لا يستطيع أحد التعويل على «حزب أزرق أبيض» وبيني جانتس أو وزير الخارجية المعيَّن حديثًا جابي أشكنازي في عدم الموافقة على الضمّ، رغم أنهم كانوا يقولون منذ أشهر بأنهم سيعارضون التحركات الأحادية الجانب، وأن عملية الضمّ يجب أن تكون بموافقة دولية». من ناحية ثانية أعاد نتنياهو تأكيده قبل أيام قليلة «على أن الولايات المتحدة ستمنح «إسرائيل» موافقتها خلال شهرين للمضي قدماً في الضم الفعلي لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة».
أما الموقع الإلكتروني (تي.أر.تي. عربي) فيقول حول هذه القضية في تعليق له قبل يومين: «ستضرب الحكومة «الإسرائيلية» الجديدة عرض الحائط بالأزمة الإقليمية والدولية التي قد تواجهها بسبب خطوة ضمّ أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، ذلك أن تلك الخطوة تلقى رفضاً فلسطينياً وعربياً ودولياً، لكن المباركة الأمريكية التي حظيت بها الخطة والتي جاءت منذ الإعلان عن صفقة القرن تمدّ في طغيان مشروع نتنياهو الجديد». وفي السياق نفسه تذهب وكالة «رويتر» التي أصدرت تقريراً قالت فيه: نتنياهو «واثق» من موافقة أمريكا على ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى «إسرائيل».
على صعيد آخر، فإن "إسرائيل" منذ اغتصابها لفلسطين عام 1948 اعتمدت سياسة «الأمر الواقع» وبتأييد أمريكي لخطواتها. هكذا فرضت حروبها العدوانية على الفلسطينيين والعرب، وهكذا ضمت هضبة الجولان العربية السورية، وهي ترى في كلّ هذه الخطوات العدوانية "دفاعاً مشروعاً عن النفس".
صحيح أن دول الاتحاد الأوروبي تطالب دويلة الكيان بعدم ضم جديد للأراضي الفلسطينية، لكنها لن تفعل شيئاً. فماذا فعلت أوروبا عندما ضمت «إسرائيل» القدس وهضبة الجولان؟ وغير ذلك من الخطوات العدوانية. الدولة الصهيونية لم تنفذ قراراً واحداً للأمم المتحدة فيما يتعلق بالحقوق الفلسطينيين، لقد رفضت 40 قراراً للأمم المتحدة بدءًا من القرار57 الصادر سنة 1948 حول إدانة اغتيال الكونت برنادوت الوسيط الدولي في فلسطين لأنه تجرأ على تسمية الذي تلحقه العصابات الصهيونية بالفلسطينيين ب«الإرهاب»، وعن تجاهل اللجان الدولية لتحقيق حقوقهم، وصولاً للقرار 2334 الصادر عام 2016 الذي يدعو إلى وقف الاستيطان. هي تدرك أن «الفيتو» الأمريكي جاهز لمنع إدانتها في مجلس الأمن وكل الهيئات والمنظمات التابعة للمنظمة الدولية.
لقد استعملت الولايات المتحدة الفيتو 43 مرّة لصالح "إسرائيل" وذلك حتى 30 ديسمبر/كانون أول 2017. وتدرك الأخيرة أنها مهما اقترفت من جرائم لن تُحاكم أمام المحكمة الجنائية الدولية بفعل تأثير الولايات المتحدة والدول الأخرى التي توقع لها شيكات على بياض لتقترف ما تريد من جرائم. إن مبررات عدم الضم أو تأجيله التي يسوقها بعض المراقبين، هي خارج إطار الواقع الفعلي وهي ليست أكثر من مناورة نحذر منها. علينا الوقوف في وجه الخطوة الصهيونية باعتبارها تحصيلاً حاصلاً.