تعودنا على المسؤولين الأمريكيين، تغيير مواقفهم بعد ترك مناصبهم. كمثل سابق على صحة ما نقول، الرئيس السابق جيمي كارتر، الذي أصدر ثلاثة كتب بعد تركه الرئاسة، "فلسطين سلام لا فصلا عنصريا"، وفيه يحاول إنصاف حقوق شعبنا، رغم أنه في رئاسته كان من أشد المؤيدين للسياسات الإسرائيلية. كتابه الثاني "قيمنا المعرضة للخطر.. أزمة أمريكا الأخلاقية". أما كتابه الثالث فهو "مذكرات البيت الأبيض". حالياً هناك كتابان لكونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش الابن بعنوان "لا يوجد فخر أكثر من هذا.. ذكريات حضوري بواشنطن".
أما جون بولتون مستشار الأمن القومي في عهد ترامب، الذي أقاله من منصبه، فقد ألف كتابا بعنوان "الغرفة التي شهدت الأحداث"، يؤكد فيه جهل الرئيس ترامب وسطحيته، وأنه لا يصلح أن يكون رئيساً، حاول الرئيس منع صدور الكتاب من خلال المحكمة، لكن ردّ طلبه، وصدر الكتاب، وسنتحدث عنه لاحقا.. على الهامش تعكف ماري ترامب ابنة شقيق الرئيس على إصدار كتاب "كثير جداً ولا يكفي.. كيف صنعت عائلتي أخطر رجل في العالم". وزيادة في الطين بلّة صرّح شقيقه بأن ترامب ولد في ممباسا وليس في أمريكا.
كأي قارئ ومراقب يتمنى لو أن هذه الكتب صدرت قبلا، إما في أثناء ترشح ترامب للرئاسة الأولى، أو في بداية عهده، أما أن تأتي في نهاية رئاسته الأولى، خاصة أن بولتون عمل تحت إمرته، وربما لو أبقاه في منصبه، لظلّ يسبح بحمّده ولم يصدر الكتاب. الأمر الذي يشي، بوجود أنفاس انتهازية في إصدار هذه الكتب. هذه التي تعرّف في الموسوعات بأنها السياسة والممارسة الواعية للاستفادة الأنانية من الظروف. وعلى الرغم من أن انتهازية البشر كثيرًا ما تقترن بدلالة أخلاقية (احتقارية) سلبية، فيمكن تعريفها أيضًا بطريقة محايدة أكثر، على أنها وضع المصلحة الشخصية قبل مصالح الآخرين، عندما تسنح الفرصة لذلك، أو التكيف بمرونة مع الظروف المتغيرة لتعظيم المصلحة الشخصية (على الرغم من أنها تكون عادةً بطريقة تنكر بعض المبادئ التي كانت متبعة سابقًا)، بالإضافة إلى أنه يتم تعريف الانتهازية في بعض الأحيان على أنها القدرة على الاستفادة من أخطاء الآخرين، لاقتناص الفرص الناتجة عن أخطاء الخصوم، أو نقاط ضعفهم أو تشتت أفكارهم والاستفادة منها في المصلحة الشخصية.
ينبغي عدم الخلط بين الانتهازية البشرية و"اقتناص الفرص"، كما هي أو "الاستفادة من الفرص عندما تظهر"، ولكن تشير الانتهازية إلى طريقة معينة للتجاوب مع الفرص، حيث تتضمن عنصر المصلحة الشخصية، إلى جانب التغاضي عن المبادئ (الأخلاقية) ذات الصلة، أو الأهداف المتفق عليها سابقًا، أو المقصودة، أو المخاوف المشتركة لمجموعة معينة، ثمّ أصبح من المعروف فعلياً أن الحاكم الفعلي للولايات المتحدة الأمريكية هو المجمع الصناعي العسكري المالي. المشكلة أن الرئيس ترامب هو أحد اقطاب هذا المجمع، من هنا قد يسحب هذا المجمع الغطاء عن ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ووفقا للإحصائيات فإن ترامب يحوز نسبة تأييد لسياسته من قبل بعض الأمريكيين.
كتاب رايس يتضمن أسرارا كثيرة منها، أن الولايات المتحدة اتخذت قرارا بالتخلص من عرفات وعزله، وأن أرييل شارون في ديسمبر 2001 أبلغ بأن عرفات أصبح خارج اللعبة، وأنها شخصيا قررت تذكير شارون بتعهده آنذاك بعدم قتل عرفات. وتقول رايس: "عكفنا على دراسة بدائل لعرفات، لكن ينبغي أن نكون حذرين، خصوصا مع الإسرائيليين في توضيح نيتنا وهي، تغيير سلمي وليس اغتيال عرفات". وتضيف: "انتقلت مناقشاتنا لاحقا إلى الطريقة التي ينبغي أن نعمل بها لإيجاد قيادة جديدة للفلسطينيين، تقبل بحل الدولتين وسط القناعة بأن هذا الحل لن يتحقق طالما بقي عرفات على رأس السلطة. وقد أبلغ الرئيس بوش، شارون في البيت الأبيض آنذاك، بضرورة البحث عن قيادة جديدة للسلطة، لكنه حذره قائلا: هذا لا يعني أنكم تستطيعون قتل عرفات، ثم رفض فكرة كولن باول عن مؤتمر للسلام بحضور عرفات، وقرر بوش دعوة الفلسطينيين لانتخابات جديدة، ثم أيّد توني بلير تغيير عرفات، وبعدها قتل الرجل بالسم".
لقد أثار كتاب جون بولتون اهتماما كبيرا لدى الرأي العام، نظرا لمنزلة الكاتب وطبيعة المعلومات التي أوردها.
ويصف الكتاب ترامب بأنه رئيس جاهل بأبسط الحقائق الجغرافية، ولا تتعدى قراراته رغبته في التمسك بمنصبه لفترة ولاية ثانية. ويتساءل ترامب عن سبب امتناع بولتون عن الإدلاء بإفادته في جلسات عزل الرئيس، بينما وصفه الرئيس الأمريكي بأنه "يفتقر إلى الكفاءة"، وأنه "غبي ممل". ويقول بولتون إن الرئيس الأمريكي "يحوّل كل حديث بشكل مذهل إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة في 2020، مشيرا إلى قدرة الصين الاقتصادية، وطالبا من الرئيس شيء أن يضمن فوزه في تلك الانتخابات".
ويقول: "أكد ترامب على أهمية المزارعين الأمريكيين، وتأثير زيادة حجم المشتريات الصينية من فول الصويا والقمح على نتيجة الانتخابات". يعتقد ترامب أن بناء معسكرات الاعتقال "شيء صحيح"، ويتهمه بولتون بأنه "يحابي الديكتاتوريين"، وأنه كان على الديمقراطيين السعي إلى عزل ترامب، بمزيد من القوة.
ويؤكد بولتون في كتابه الادعاءات التي دفع بها الديمقراطيون حول سعي ترامب إلى وقف المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا، من أجل إجبارها على التحقيق في خصمه السياسي الديمقراطي جو بايدن، وهو الأمر الذي دفع الديمقراطيين إلى الشروع في إجراءات عزله. ووفقا للكتاب، ألمح ترامب إلى رغبته في الاحتفاظ بالمنصب لأكثر من فترتين. ويتهمه بأنه لم يكن يعلم أن بريطانيا قوة نووية، وهو جاهل إلى الحد بأنه يعتقد أن فنلندا جزء من روسيا، ويقول بولتون: إن هناك الكثير من جوانب الضعف الأخرى في معلومات ترامب. ويضيف المؤلف، أن جلسات المعلومات الاستخبارية التي يحضرها ترامب "لم تكن مفيدة"، لأنه في معظم المناسبات "يتكلم أكثر من الخبراء في أمور لم تكن لها علاقة إطلاقا بالمواضيع قيد النقاش". وأنه كان على وشك الانسحاب من حلف الأطلسي، وأنه اعتبر أن غزو فنزويلا سيكون شيئا جميلا. ويستطرد، بأن حلفاءه يسخرون منه. ويقال إنه حتى وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي يعد من الموالين لترامب، وصفه في رسالة بأنه "ينضح بالقذارة".
وذكر موقع "أمازون" في إعلان ترويجي لكتاب ماري ترامب، أن الكاتبة ستوضح كيف وصل عمها "الرجل الذي يهدد حاليا الصحة العالمية والأمن الاقتصادي والنسيج الاجتماعي" إلى السلطة. وأضاف الموقع: "تشرح الكاتبة كيف أن أحداثا معينة، ونماذج أسرية صنعت الرجل السيئ، الذي يشغل حاليا المكتب البيضاوي، بما في ذلك العلاقة الغريبة والمضرّة بين الرئيس ترامب ونجليه الكبيرين فريد جونيور ودونالد". وتقول الدعاية إن الكاتبة تعتمد على رؤيتها الشخصية، باعتبارها "شاهدة مباشرة على عدد لا حصر له من مآدب العطلات والتفاعلات داخل الأسرة"، كما تتهم المذكرات الرئيس بأنه "عزل والده وسخر منه" بعد أن بدأ يعاني من مرض الزهايمر. وتضيف، "كان والدها يعانى من إدمان الكحول طوال حياته، وتسبب ذلك في إصابته بنوبة قلبية أدت إلى وفاته المبكرة".
واستشهد ترامب في السابق بالمشاكل الشخصية التي واجهت شقيقه كدافع لجهود إدارته في التصدي لإدمان الأفيون. وقال، في مقابلة العام الماضي مع صحيفة "واشنطن بوست"، إنه يشعر بالندم للضغط على شقيقه الأكبر للانضمام إلى شركة عقارات العائلة، بينما كان يسعى لتحقيق أحلامه في أن يصبح طيارا. واحتجبت ماري ترامب إلى حد كبير عن الأضواء بعد أن أصبح عمها رئيسا للبلاد، على الرغم من أنها كانت تنتقده في الماضي. وترجع الخلافات بينهما إلى نحو 20 عاما بسبب دعوى قضائية أقامتها هي وشقيقها ضد عمهما وإخوته. ففي عام 2000، رفعت ماري ترامب وفريد ترامب، شقيقها الثالث، دعوى قضائية اعتراضا على نصيبهم في أموال تركة والد دونالد ترامب، فريد ترامب الأب.
وتقول صحيفة "نيويورك ديلي نيوز" إنهما قالا إن وصية عام 1991 "خضعت للاحتيال والتأثير غير المشروع" من جانب دونالد ترامب وأخوته، حيث كان يعانى رب الأسرة من الخرف. وقالت ماري ترامب للصحيفة إن عمتها وأعمامها كان "يجب أن يخجلوا من أنفسهم» خلال المعركة القضائية. كما رفعت ماري ترامب وشقيقها دعوى قضائية أخرى بعد إلغاء تأمينهم الصحي التابع لشركة "ترامب"، كخطوة انتقامية واضحة ردا على الدعوى القضائية الأولى. وأشارت تقارير إلى تسوية القضية في النهاية، بدون الكشف عن التفاصيل. وتقول مجلة "بيبول" إن السجلات العامة تشير إلى أن ماري ولدت في مايو عام 1965 وتعيش في لونغ آيلاند، في نيويورك.
وذكرت مجلة "فوربس" أنها حصلت على درجة البكالوريوس في الأدب الإنكليزي من جامعة "تافتس" في ماساتشوستس، ودرجة الماجستير في التخصص نفسه من جامعة "كولومبيا" في نيويورك. كما حصلت على درجة الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي من جامعة "أديلفي" في نيويورك. هكذا يشير ملف التعريف الشخصي لماري ترامب، وهي مدربة معتمدة في شؤون الحياة. هذه هي أمريكا.