الخميس الأسود في تاريخ الشعب الفلسطيني سطَّره رئيس السلطة محمود عباس مجددًا، بانقلابه على خيار الجماهير بالذهاب إلى صندوق الانتخابات والاحتكام له في تحديد العلاقات الوطنية، والنهوض بالمشروع الوطني بعد 16 عامًا من الانقسام، والانقلاب الأول على صندوق الانتخابات.
ما أشبه اليوم بالأمس، وما أشبه 2021 بانتخابات 2006، عندما انقلب عليها عباس في ليلتها الأولى مع فارق أن الأولى ذهب المواطن للصندوق واختار من يمثله، لكن هذه المرة، عُوقِب لمجرد أنَّ استطلاعات الرأي أعطته تصورًا بإعادة فوز عام 2006.
عباس ينقلب مجددًا على إرادة الجمهور، ومعه فئة قليلة لا تمثل شيئًا في ميزان الفصائل، وغالبيتها لا يتجاوز نسبة الحسم 1.5% في انتخابات يمكن أن تتم.
يستحضر عباس في حساباته مصالحه الشخصية، والمجموعة المحيطة به من قيادات فتح، في حين تُقصى أصوات 35 قائمة انتخابية، من بينها قائمتان مهمتان من حركة فتح، وكان من المتوقع حصولها على الترتيب الثاني والثالث بعد حركة حمــاس، وحصول قائمته على الترتيب الرابع، وهو السبب الحقيقي خلف تعطيل الانتخابات.
القدس لدى عباس مجرد ورقة استخدمها لتعطيل الانتخابات، في الوقت الذي يريده، في حين أنه يهمل مدينة القدس من أجندته تماما، وعلى سنوات يعاني الفلسطينيون بسبب إجراءات الاحتلال والسلطة التي أوقفت كل التسهيلات الخاصة بهم، عوضًا من المزاج الشعبي العام الداعم للمقاومة في القدس، ويظهر باستمرار منذ فوز حمــاس بكل أعضاء التشريعي في انتخابات 2006، عن مدينة القدس، وكذلك الهتافات المعارضة له في المسجد الاقصى، وخلال مواجهات الشبان مع جنود الاحتلال في باب العمود قبل أيام، وفي الوقت نفسه أظهر الشباب دعمًا للمقاومة ممثلة بمحمد الضيف القائد العام لكتائب القسام، بهتافهم الذي أقلق الاحتلال والسلطة على حد سواء بعنوان (حط السيف قبال السيف.. احنا رجال محمد ضيف).
انقلاب عباس على الانتخابات سيكون له تداعيات سلبية كبيرة وواسعة ، وإعادة الساحة الفلسطينية لمربع الانقسام، وقد أحدث شرخًا كبيرًا بحاجة إلى أشهر لإعادة ترتيبه، وهو ما قد يدفع الفصائل الفلسطينية إلى إجراءات تتجاوز عباس لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، رغم صعوبة ذلك، لكن في المقابل قد يكون من الصعب فلسطينيا البقاء مرتهنين لعباس ومصالحه الشخصية.