"من كان يعبد محمَّدًا؛ فإِنَّ محمَّدًا قد مات، ومن كان يعبد الله؛ فإِنَّ الله حيٌّ لا يموت".
توفي رسول الله في 12 ربيع الأوَّل 11هـ، وفي اليوم ذاته بويع أبو بكر الصدِّيق بالخِلافة ليحافظ على الدولة الإسلامية الناشئة التي كونها الرسول ورعاها ليتولى شؤونها، ولكنَّ جماعات وقبائل شرعت تعاجل بالارتداد عن الإسلام، بعد أن وجدوا بينهم منْ يدعي النبوة ويحرضهم، فارتد بنو أسد بقيادة طليحة بن خويلد الذي ادَّعى النبوَّة، وبني فزارة بقيادة عيينة بن حصن، وبني عامر وغطفان بقيادة قرَّة بن سلمة القشيري، وبني سُلَيْم بقيادة الأشعث بن قيس الكِندي، وبني بكر بن وائل في البحرين بقيادة الحكم بن زيد، وبني حنيفة بقيادة مسيلمة الكذاب الذي ادَّعى النبوَّة أيضًا، في حين حافظت قريش وثقيف وأهل المدينة على ولائهم للإسلام وخليفة المسلمين.
ظنت تلك قبائل المرتدَّة أن ولاءهم كان لشخص رسول الله، وبذلك لم يعد من مسوغ يرغمهم على دفع الزكاة لأحد بعد وفاة الرسول، وإلا فستكون هذه الإهانة بعينها! فضلًا عن أن بعض القبائل رفضت الخضوع لحكم أبي بكر الصديق لاعتقادهم بأنهم أولى بالحكم منه لأسباب قبلية شتى تغذيها العصبية القبلية.
رفض أبو بكر نهائيًّا تراجع الأعراب عن دفع الزكاة، وأطلق مقولته المشهورة: "والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) لقاتلتهم على منعه"، وصدر القرار الصارم بالتصدِّي للحركات الارتداديَّة بالقوَّة والحزم، خاصَّةً بعد ورود أنباءٍ عن عزم القبائل المرتدَّة على شنِّ هجومٍ واسعٍ على المدينة وتدمير القاعدة المركزيَّة للدين الإسلامي.
أرسل أبو بكر جيش أسامة الذي أمر به رسول الله قبل وفاته في الوقت ذاته لقتال الروم على الطريق التجاري بين مكَّة وغزَّة، الأمر الذي أخلى المدينة من غالبية المدافعين عنها، فتشجع بعض المرتدين منهم عبس وذبيان على مهاجمة المدينة، فعسكروا حولها، وأرسلوا وفدًا يساوم أبا بكر على ألا يدفعوا الزكاة، ولكن أبو بكر تصلب في موقفه، فشنَّ المحاصرون هجومًا ليليًّا بعد ثلاثة أيام، لم يحقِّقوا فيه نصرًا بالرغم من قلَّة المدافعين.
عاد جيش أسامة من الغزو بعد أربعين يومًا حاملًا الغنائم، ومضى أبو بكر يجهز جيشًا لمحاربة المرتدِّين، فعبَّأ المسلمين وجهَّز أحد عشر لواءً جعلها تتلاءم في عددها وإماراتها ووجهتها مع قوَّة القبائل الموجَّهة إليها ومدى خطورة ردَّتها، فكانت حصة الجنوب ثمانية ألوية لتركُّز غالبيَّة المرتدِّين والمتنبِّئين فيه، يقودها القادة: خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل، وشرحبيل بن حسنة، والمهاجر بن أبي أميَّة المخزومي، وسويد بن مقرِّن (إلى تهامة اليمن)، والعلاء بن الحضرمي، وحذيفة بن محصن الغلفاني، وعرفجة بن هرثمة.
وثلاثة إلى الشمال يقودها: عمرو بن العاص، ومعن بن حاجز السلمي، وخالد بن سعيد بن العاص، وحليف نوفل بن عبد مناف.
وأبقى قوَّة عسكريَّة من الأنصار لحماية المدينة.
أطلق الألوية الإسلاميَّة كلٌّ إلى وجهته المحدَّدة، وزوَّد قادتها بكتابٍ ذي مضمونٍ واحدٍ إلى جميع العرب، يوضح سياسته وأسلوبه في التعامل مع هذه الفتنة، وشرعت الألوية تقاتل، وما إن ينتهي لواء ويحقق ما خرج من أجله حتى ينضم للواء آخر يساعده في حربه على المرتدين، حتى طهرت الجزيرة العربية من حركات الردَّة والمرتدِّين.
انتصرت الجيوش الإسلامية رغم قلة عددها مقارنة بأعداد المرتدين، وقُتل قادة الردَّة ومُدَّعو النبوة، وقُتل أيضًا منْ أصروا على ردَّتهم وكفرهم، وعاد كثير من المرتدين إلى ربقة الإسلام، وتوحَّدت شبه الجزيرة العربية تحت راية الإسلام، تحكمها المدينة، عاصمتها الوحيدة، وتجهزت جزيرة العرب لتكون قاعدة للفتوح الإسلامية التي حولت العرب والمسلمين من حروبهم الداخلية إلى نشر ديانتهم وتوسيع دولتهم خارج الجزيرة العربية.
وكان جمع القرآن إحدى النتائج غير المباشرة، بعد موت معظم حفظة القرآن في حروب الردة.