يطيب الحديث في شهر رمضان عن الماضي، وعن تجربة الشعب الفلسطيني الطويلة في مواجهة أعدائه، وما هي الملابسات والظروف التي نقلت بعض الرجال من مواقع المواجهة مع العدو المشترك، إلى مواقع التصالح والتصافح والتسامح مع العدو، ومعاداة الأخ والجار والصديق، وهل كانت تصفية بعض القادة العملاء حلًّا لتكاثرهم وتوالدهم فيما بعد، أم أن هناك زوايا أخرى للمشهد، يمكن النظر منها، وقراءة التجربة بشكل آخر. كان فخري النشاشيبي أحد القادة البارزين المنظمين للإضراب في المدن الفلسطينية عام 1936، أي أن الرجل بدأ حياته ثوريًّا، رافضًا للاحتلال البريطاني والاستيطان اليهودي على أرض فلسطين، وكان زميله فخري عبد الهادي ثائرًا مثله، ورافضًا للانتداب البريطاني، بل كان فخري عبد الهادي نائبًا لفوزي القاوقجي في بداية الثورة، وكان قائد الفصيل الفلسطيني في قوات المتطوعين، فكيف تحول الرجلان من قادة لثورة 36 إلى أعداء للثورة، ولماذا تحالفا مع الاستعمار البريطاني والعصابات اليهودية. وهل كان الصراع عائليًّا كما تقول كتب التاريخ؟ أم كانت هناك أطماع شخصية؟ وهل تضاربت المصالح بين قادة الثورة؟ أم نجح البريطانيون واليهود في استمالة البعض، وتوظيف روح التنافس لخلق زعامات بديلة؟ وهل كان بمقدور قادة ثورة 36 تفادي الانقسام وتجنب غضب بعض العائلات والزعامات الفلسطينية، والحيلولة دون انضمامها للمتمردين على الثورة؟ وهل انفضت بعض العائلات عن قيادة ثورة 36 بسبب أخطاء الثوار، أم كان للمال اليهودي والسلاح البريطاني الدور الأبرز في التآمر على الثورة، حيث أنفقوا بسخاء على فصائل السلام الفلسطينية، لتسهم في اجتثاث الثورة، وملاحقة قادتها، وتصفيتهم وإعدامهم. تقول لنا الذاكرة الفلسطينية: بعد فشل الإنجليز في تصفية ثورة 36، لجؤوا إلى تجنيد عدة زعامات وشخصيات للعمل ضد الثورة، وقد تمثل الخروج العلني ضد الثوار بالاجتماع الشعبي الذي عقده فخري النشاشيبي في بيته شهر 9/1938 بهدف دعم فصائل السلام، ومناوأة الثورة، ومطاردة فلول قواتها، وعقد اجتماع آخر نظمه في قرية يطا.