فلسطين أون لاين

معارك أثَّرت في تاريخ الأمة

"ما ترك الجهاد قوم قط إلا ذُلوا"، وكيف لا يُذلون يا رسول الله وقد وضعوا سلاحهم وطأطؤوا رؤوسهم واستمرؤوا العبودية، ورضوا الدنية في دينهم؟! وماذا بعد؟! ديست بلادهم وانتهكت أعراضهم وسالت دماؤهم وهدِّمت بيوتهم فوق رؤوسهم ودُمرت مدنهم وقراهم والتهم السجن أعمار أبنائهم وزهرة شبابهم وطاقاتهم ... والأعداء يجوسون خلال ديارهم بأمن وأمان، وما من مجيب لآهات تعلو وأنين لا يتوقف.

فكم من منادية تنادي: وا إسلاماه، وا معتصماه، وا عرباه، ولا تجد من يلبي صرخاتها ويمسح دمعاتها ويؤويها!

رب وا معتصماه انطلقت *** ملء أفواه الصبايا اليتم

لامست أسماعهم *** لكنها لم تلامس نخوة المعتصم (عمر أبو ريشة)

ولكي يبقى الدين، ويبقى الوطن، ويبقى أهله الجهادَ الجهادَ؛ لا بد من الذود عن حياضه والدفاع عنه، وافتدائه بالغالي والنفيس، وإننا في شهر الصيام والقيام والجهاد والفتوحات والتمكين والنصر العظيم، بدءًا بنصر بدر، ومرورًا بحروب الردَّة وفتح الأندلس، وغيرها وغيرها من الوقائع العظيمة، وصولًا إلى فرقان غزة التي هي ليست ببعيدة عنا وتؤكد أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام.

ولما تُذكر الأحداث المهمة في تاريخ المسلمين التي حدثت في رمضان؛ فإن أول ما يحضر في بال كل مسلم غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون بقيادة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على جحافل الكفر وصناديد الباطل من قريش، رغم أن معارك فاصلة كثيرة حدثت في هذا الشهر العظيم، وأحداثًا أكبر من أن تُحصى هنا، لذا ستكون زاويتنا هذه استحضارًا لتاريخ مشرِّف حري بنا أن نتعرف إليه ونعرف تفاصيله، لأن سنن الله ثابتة لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، نحن مُطالبون بإدراكها، واستخلاص العبر منها، والبناء عليها؛ فالتاريخ يعيد نفسه، والأحداث تتكرر؛ فما يتغير فقط هي المسميات والتفاصيل الدقيقة، أما العموميات فهي ذاتها.

ارجع إلى أهم المحطات التاريخية في تاريخ الأمة التي كانت ذات تأثير مباشر في حاضرها ومستقبلها، تجد كأنك تقرأ حاضرك ومستقبلك، اقرأ إن شئت عن ملوك الطوائف، وكيف تقاسموا بلاد الأندلس وجعلوها دويلات يحكم كلًّا منها حاكم بأمره، يتحالف مع النصارى ليحمي مُلكه الذي يتوارثه أبناؤه ثم يقتسمونه فيما بينهم ... وهكذا، وفي حال تعارضت مصالح النصارى مع وجود هذا الحاكم (أو اللعبة بين أيديهم) سارعوا إلى التخلص منه، الأمر الذي دفع بالمعتمد بن عباد أمير إشبيلية حين نصحه بعض ملوك الطوائف الآخرين بعدم اللجوء إلى يوسف بن تاشفين، لأنه إذا نجح في صدِّ الصليبيين فإنه سيتملك البلاد، ولن تبقى إشبيلية خاضعة لحكم ابن عبّاد؛ إلى الردّ عليهم بمقولته المشهورة: "لأنْ أرعى الإبل عند ابن تاشفين خير من أن أرعى الخنازير عند ألفونسو".

فالكيِّس الفطن الذي لا يعيد تكرار تجارب السابقين ويقع في الأخطاء ذاتها، بل يتعلم منها ليختصر على نفسه الجهد والوقت ليحقق الأهداف التي وضعها نصب عينيه حتى تصب في مصلحته ومصلحة أمته.

ولما كانت أمة الإسلام الآن تعيش مرحلة من أسوأ مراحل الاستضعاف والتخاذل والهوان؛ فلا بد من استدعاء تاريخنا المشرق، فليذكِّر بعضنا بعضًا بالمراحل التاريخية الإسلامية المتألقة، التي كان لها عظيم الأثر في إرساء دعائم دولة الإسلام وتثبيت أُسسها حتى دامت قرونًا طويلة تقود البشرية وتتصدر قرارات العالم.

وكم هو من الأهمية بمكان مع التحديات الخطيرة والأوقات العصيبة التي نمر بها في مشارق الأرض ومغاربها أن نستلهم من هذا التاريخ ونتعلم منه ما يعيد لنا اعتبارنا ودورنا الريادي من قيم وأخلاق القادة والفاتحين، وعوامل النصر والفتح والتمكين، لا أن نتسلى ونبكي كالنساء على مجد لم نستطع صونه كالرجال.

فلنتآزر ونتكاتف لنحفظ هذا الدين، ونرفع الظلم عن أمتنا، ونستعيد كرامتنا المسلوبة وأرضنا المفقودة.