أيًّا كانت نتائج انتخابات المجلس التشريعي، وبغض النظر عن النسب التي ستحصل عليها كل قائمة من القوائم الفائزة، فإن الحالة الفلسطينية توجب استجابة وطنية شاملة لنداء الواقع، وتتطلب من الجميع قراءة واعية للواقع الفلسطيني داخلياً وخارجياً.
بعد 15 عاماً من الانقسام الداخلي أصبح واضحاً أنه لم يستطع أي فصيل فلسطيني الصمود منفرداً أمام التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، سواء تلك التحديات التي يمثلها الاحتلال بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والأمنية، أو تلك التي تمثلها دول وكيانات باتت تتعاون مع الاحتلال بشكل مباشر لتقويض الصمود الفلسطيني. وإن كل المحاولات الوطنية لإدارة الحالة الفلسطينية كانت تواجَه بعقبات كبيرة ترتبط بانعكاسات استمرار التفرد بالقرار الوطني وتعطيل المؤسسات الديمقراطية في الإدارة والحكم.
ولعل القراءة الشاملة توصلنا إلى أن الشعب الفلسطيني لا يزال يواجه حصاراً متعدد الأقطاب، ليس فقط على غزة ولكن أيضاً على كل ما هو فلسطيني. صحيح أن غزة تحت حصار سياسي واقتصادي وأمني، لكن الضفة لا تعيش حالة رخاء سياسي وأمني في ظل سياسات الاحتلال التي قلصت دور السلطة السياسي والاقتصادي هناك، وحاصرتها بالتطبيع وفتح علاقات مباشرة مع العديد من الدول والكيانات، ما قلل من فاعليتها وقدرتها على خلق أي مبادرة سياسية أو اقتصادية.
لا أحد يناقش أن مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال هي علامة وطنية مسجلة لدى كل المؤسسات والكيانات الدولية، وأن التضحيات التي لا تزال مستمرة في سبيل الحرية والاستقلال كانت من الجميع، وأن حالة النضال الوطني شاركت فيها كل الفصائل الفلسطينية، سواء المسلحة أو غير المسلحة، وأن سنوات الانقسام هي طارئ لا يجب أن يستمر، بل يجب التعلم منها من أجل حماية المشروع الوطني الذي لا يمكن أن يكتمل إلّا بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وهذا ما لا يختلف عليه أحد من الفصائل أو التيارات الوطنية حتى في ذروة الانقسام.
مخطئ من يتوقع أن تباين المواقف وتعدد البرامج السياسية والاجتماعية هما السبب الحقيقي لحالة الانقسام الفلسطيني، فلا يوجد مجتمع أو شعب إلّا ولديه هذا التباين والتعدد، ولكنه يجب أن يكون ضمن حدود المصلحة الوطنية التي يحددها القانون والدستور، وضمن مؤسسات الإدارة والحكم التي تتشكل بناء على خيارات الناخبين. ونحن اليوم أمام فرصة تاريخية لاستعادة روح المبادرة الوطنية لبناء نظام سياسي يعكس توجهات المجتمع الفلسطيني، على أساس من التعددية الحزبية والفكرية، وعلى مبدأ الشراكة الشاملة بما يسمح باستثمار كل الجهود الفلسطينية للخروج من حالة الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة.
إن التوصيف الحقيقي للحالة الفلسطينية يجعلنا نستحضر أن الشعب الفلسطيني لا يزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، ومن الخطأ اعتبار أن هناك دولة فلسطينية تحت الاحتلال! وبناء على ذلك فإن الثورة الفلسطينية لا تزال قائمة، ولا يزال الحلم الفلسطيني لم يكتمل، ولا تزال الحناجر تهتف والبرامج السياسية والنقاشات المجتمعية تؤكد أهمية إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
إن الاتفاق المبدئي على تشكيل حكومة وحدة وطنية تعكس نتائج انتخابات المجلس التشريعي، يضع الجميع أمام حالة وطنية جامعة تفرض احترام صوت الناخب الفلسطيني واختياراته. ومعلوم أنه لا يوجد فصيل من الفصائل أو قائمة من القوائم الانتخابية الـ 36 تدعي أنها ستحصل على أغلبية مطلقة تمكنها من تشكيل حكومة منفردة، وحتى لو ساورت أحدًا تلك الأحلامُ فإن سنوات الانقسام يجب أن تدفعه لاستخلاص العبر الوطنية، التي ستصل به إلى حتمية تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على مواجهة تحديات المرحلة.