استخدم مصطلح الإسلام السياسي عادة للدلالة على الحركات الإسلامية التي تمارس العمل السياسي، وذلك لتمييزها عن الحركات الصوفية أو السلفية (العلمية) أو الدعوية، وغالبا ما اتهمت هذه الحركات من الأوساط العلمانية بأنها لا تعترف بفكرة الدولة الوطنية، لكونها تعد أن الإسلام كدين هو الإطار الجامع للشعوب والأمم التي تؤمن به، وليس الوطن كرقعة جغرافية تعيش عليها أمة معينة أو شعب متعدد الأعراق، وقد انتقد العلمانيون الحركات الإسلامية من هذا الجانب آخذين عليها أنها تعد أي مسلم على وجه الأرض أقرب إليها من المواطن الذي يختلف في عقيدته عن عقيدة الإسلام، وذلك من وجهة نظرهم يفرغ قضية الوطن من محتواها، ويجعل من الوطن مجرد قطعة أرض تستخدم لصالح من يعيش فوقها، ولا تشكل أي رابط يحظى بالقداسة أو الكرامة التي يحظى بها الرابط الديني، ولعل هذه المسألة هي التي دفعت بعض العلمانيين لاتهام الحركات الإسلامية بعدم الولاء للوطن، وبالتالي لا شرعية وطنية لها وحاربت وجودها في الحياة السياسية، كما اتهمت الحركات الإسلامية بأنها لا تؤمن بالديمقراطية وأنها تستخدم الديمقراطية أداة للوصول للحكم ولمرة واحدة فقط، وعلى الرغم من كل ما سبق من (اتهامات) باطلة للحركات الإسلامية وكل محاولات التشويه والشيطنة التي مورست ضدها، فإنها ما زالت تحظى بثقة الشعوب العربية والإسلامية، وتتصدر في معظم الأوقات نتائج الانتخابات في مجالس الطلاب والنقابات والبرلمانات وذلك لإيمان المواطن العربي أن الحركات الإسلامية بفكرها الوسطي المعتدل مثلت نموذجا يحتذي في الوطنية والنزاهة والبراعة الاقتصادية والإدارية والسياسية.
ويبدو أن معاداة الحركات الإسلامية من العلمانيين والليبراليين قد أصبحت ظاهرة مرضية أكثر منها اختلافا في الرأي السياسي أو المعتقد الأيديولوجي، ويظهر ذلك جليا في تصريحات أو كتابات هؤلاء الذين يسمون أنفسهم (بالنخب المثقفة) التي صدعت رؤوسنا كثيرا وطويلا بمبادئ حرية الرأي والتعبير وحرية الفكر، تلك المبادئ التي لم تصنها ولم تعمل بها سوى الحركات الإسلامية حينما وصلت إلى سدة الحكم، في حين أهدرتها وداستها تلك النخب حفاظا على مصالح شخصية أو حزبية ضيقة.
معاداة العلمانيين وبعض الليبراليين للإسلاميين على ما أظن ناتجة عن الشعور بالضعف والنقص أمام الفكر الإسلامي الوسطي الذي يهيمن دائمًا على أفئدة شعوب المنطقة من كل الشرائح، الأمر الذي جعل الأفكار الأخرى، وعلى وجه الخصوص العلمانية والليبرالية التي كان معتنقوها يعتقدون أنها الأفكار التي يجب أن تسود، وأنها الأفكار التي تتوسط الأفكار اليسارية واليمينية وفق توصيفهم، وعليه سيكون لها التأثير الأكبر في المجتمعات أو يجب أن يكون، ولكن أمام الهزائم المتوالية لهذه الأفكار أمام الفكر الإسلامي الوسطي منذ أواسط السبعينيات وحتى الآن لم تستطع الحركات الليبرالية والعلمانية مواجهة الفكر الإسلامي الوسطي بالحجة والمنطق، فلجأت إلى إلصاق تهم الإرهاب والفاشية والظلامية بالحركات الإسلامية، وذلك كوسيلة لفض الشعوب عن الالتفاف حول هذه الحركات. الغريب في الحركات العلمانية أنها تدعو إلى حرية التعبير والمعتقد أيما كان هذا التعبير وكيفما كان هذا المعتقد، فمثلًا لا مشكلة لدى الأوساط العلمانية في السماح لعبدة الشيطان مثلا من ممارسة طقوسهم ونشر أفكارهم بين أفراد المجتمع، ويعدون هذا الأمر من حرية الفكر والتعبير والمعتقد، ولا بأس لديهم في السماح للمثليين الجنسيين بممارسة شذوذهم والدعوة إليه في المجتمعات العربية والإسلامية ذات الطبيعة المحافظة، ويعدون ذلك أيضا من الحرية الشخصية للمواطن، وكذلك لا بأس لديهم في ممارسة الرذائل كافة من بعض المنحرفين ويعدون ذلك حقا لمن يمارسه، أما عندما يتعلق الأمر بالحركات الإسلامية فنجدهم يتنكرون لكل مبادئهم، فلا حرية رأي ولا حرية فكر ولا حرية معتقد، ويبدؤون بإطلاق الأوصاف وإلصاق التهم، بل هم على استعداد كما أثبتت التجربة لإهدار الحياة الديمقراطية في سبيل منع الحركات الإسلامية من ممارسة حقها في العمل السياسي من خلال الأنظمة والقوانين التي صاغوها بأيديهم.
وعلى افتراض أن الحركات الإسلامية لا تؤمن بفكرة الوطنية ولا تؤمن بالديمقراطية ولا تؤمن بالشراكة كما يدعون، أليس ذلك من حرية الرأي والفكر تماما كما لا يؤمن عبدة الشيطان بالله مثلا من وجهة نظرهم؟ إذًا المشكلة ليست بالأفكار والمبادئ والقيم، ولكن المشكلة في شعور هؤلاء العلمانيين أن نجمهم في أفول مستمر أمام سطوع نجم الإسلاميين وظهوره على كل الأفكار والمعتقدات ذات الأصل الغربي والغريب عن الثقافة العربية والإسلامية، تلك الأفكار التي فرضت بالقوة على شعوبنا ولفترات طويلة من الزمن، ثم لفظتها الشعوب في أول فرصة أتيحت لها وعادت متشوقة لفطرتها ولعشقها الأبدي للإسلام الذي جمعها على مبادئه السامية التي ألفت قلوب العرب والعجم، وما زال سنا بريقه يضيء منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام من الزمن، قد يحجبه غبار الظلم والاستبداد حينا لكنه لا يلبث أن يعود سناه لامعاً من جديد، فهل فقه ناصر القدوة هذه الحقيقة؟