جمهورية الموز، وبالإنجليزية تكتب (Banana Republic)، مصطلح ساخر يُطلق للانتقاص من دولة غير مستقرة سياسيًّا، وليس لها ثقل سياسي واقتصادي بين دول العالم، ويعتمد اقتصادها على عدد قليل من المنتجات، كزراعة الموز مثلًا، ومحكومة بمجموعة صغيرة ثرية وفاسدة.
صاغ المصطلح في بادئ الأمر الكاتب الأمريكي أوليفر هنري، للإشارة إلى هندوراس في الملفوف والملوك (مجموعة قصص قصيرة تجري أحداثها في أمريكا الوسطى سنة 1904)، ليطلق على الحكومات الدكتاتورية التي تسمح ببناء مستعمرات زراعية شاسعة على أراضيها مقابل المردود المالي.
أما الاستخدام الحديث للمصطلح فهو لوصف أي نظام غير مستقر أو دكتاتوري، وبالأخص عندما تكون الانتخابات فيه مزورة أو فاسدة، ويكون قائدها خادماً لمصالح خارجية.
في الحالة الفلسطينية لا توجد مزارع موز حقيقية، على الرغم من تميز مدينة أريحا -مسقط رأس رئيس ملف المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية الراحل صائب عريقات- بهذه الزراعة منذ زمن بعيد، لكن يمكن إلصاقه بالمقاطعة في رام الله التي يحكمها رجل واحد، ويمسك بزمام القرار الفلسطيني منذ أكثر من عقد ونصف العقد.
وعلى الرغم من فشل رئيس السلطة محمود عباس في ترويض خصومه السياسيين، ومن بينهم حركة حماس على مدى عقد ونصف العقد من الزمن فإنه لا يزال يستخدم تلك السياسة داخل منظمة التحرير وحركة فتح، متسلحًا بالمال والتفرد بالقرار، والتصفيق للمطبِّلين.
وضحايا هذه السياسة كُثر من قيادات حركة فتح التاريخية، مرورًا بفصائل اليسار الفلسطيني التي حرمت من موازناتها لاختلافها في الرأي والأسلوب فيما يتعلق بقضايا الصراع مع الرئيس عباس.
وحتى القيادية الفلسطينية البارزة حنان عشراوي التي قدمت استقالتها من عضوية منظمة التحرير الفلسطينية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وقبِلها عباس، خرجت في تسجيل مصور لاحقاً مبررة استقالتها تقول فيه: "لقد آن الأوان لإجراء الإصلاحات المطلوبة، وتفعيل منظمة التحرير، وإعادة الاعتبار لصلاحياتها ومهامها، واحترام تفويض اللجنة التنفيذية التي تعاني التهميشَ وعدمَ المشاركة في صنع القرار، ولا بد من تداول السلطة ديمقراطيًّا عن طريق الانتخابات، فالنظام السياسي الفلسطيني بحاجة إلى تجديد مكوناته، ومشاركة الشباب، نساءً ورجالًا، والكفاءات في مواقع صنع القرار، والأمانة تتطلب أن يتحمل كل شخص مسؤولياته ويؤدي مهامه بالكامل بكل إخلاص، بما في ذلك إتاحة المجال للتغيير المنشود".
وبرزت قضية عضو اللجنة المركزية ناصر القدوة وإصراره على تشكيل قائمة منفردة بعيدًا عن حركة فتح تحت مسمى "الملتقى الوطني الديمقراطي" بهدف العمل على تغيير النظام السياسي الحالي، وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية.
صرح القدوة -وهو ابن شقيقة الرئيس الراحل ياسر عرفات قائد فتح السابق- بذلك الأسبوع الفائت من داخل رام الله، حيث مقر مقاطعة الموز، وقوبل طرحة بوابل من الانتقادات والهجوم الحاد عليه من المطبلين للرئيس وسياساته.
مع استمرار الرجل -الذي وقع الاختيار عليه إبان عهد الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما في ولاية حكمه الثانية ليكون خليفة عباس- في مقاطعة اجتماعات اللجنة المركزية التي كان آخرها يوم أمس، تتوارد أنباء بإمهاله لمدة 48 ساعة لإعلان موقفه النهائي، إما الالتزام بقرار الحركة وإما الفصل منها.
ليس القدوة وحده من يقع تحت المقصلة، فالقائد البارز الأسير مروان البرغوثي لم يحسم أمره بعد بشأن الانضمام لقائمة حركة فتح في الانتخابات العامة، ويصر على المنافسة على كرسي رئاسة السلطة.
وفي محاولة للتقليل من توجهات القدوة والبرغوثي كتب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ المقرب من عباس عقب الاجتماع في موقع توتير: "الإصلاح كلمة جميلة رنانة، وضرورة لا يختلف عليها أحد، لكن المثير للاستغراب أن معظم من يتحدثون عن الإصلاح الآن وعلى أبواب الانتخابات هم من سادة الحكم، وتقلدوا مواقع الصف الأول في النظام السياسي، وأصحاب نفوذ وسطوة في الماضي أو الحاضر، ربما الدعوات من غيرهم لها مصداقية وتأثير أكبر.
كل ما سبق لا يزال صراعًا داخل البيت الفتحاوي الذي يقوده الرئيس عباس، الذي أصدر منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي مرسوما بإجراء الانتخابات على 3 مراحل: تشريعية في 22 مايو/ أيار، ورئاسية في 31 يوليو/ تموز، والمجلس الوطني (برلمان يمثل فلسطينيي الخارج) في 31 أغسطس/ آب.
فماذا عن المنافسين الحقيقيين في الساحة السياسية مثل: حركة حماس، والتيار الإصلاحي بزعامة القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان؟ هل يلجأ عباس لقانون جمهورية الموز في إقصائهم إذا نجحوا في إقصاء حركة فتح في الانتخابات القادمة في ظل تفككها وتشرذمها؟ وهل يتكرر سيناريو إلغاء الانتخابات مثلما جرى في انتخابات مجلس الطلبة في جامعة الأزهر عندما فاز تيار دحلان على عباس قبل عامين من الآن؟ وفي الختام هل نحن في أمان حاكم مقاطعة الموز الفلسطينية؟