فلسطين أون لاين

لماذا فشل الكيان في احتواء فلسطينيي الداخل؟

بعد مضي أكثر من ثلاثة أرباع قرن على إنشائه، يبدو الكيان الإسرائيلي مرتبكًا إزاء التعامل مع من كان يعدهم أقلية عربية من بقايا الشعب الفلسطينيين الذين تمسكوا بوطنهم، وتحملوا كل المجازر والقتل والملاحقة والاعتقال، ناهيك بالتهميش الاقتصادي والاجتماعي والحقوقي لهم في إطار كيان قام على أنقاض الشعب الفلسطيني.

يشكل الفلسطينيون في الداخل المحتل اليوم 21.1 في المئة من إجمالي عدد سكان الكيان الإسرائيلي، وبرز دورهم بقوة إبان أزمة تشريد أهالي الشيخ جراح في القدس المحتلة من منازلهم، ومعركة سيف القدس التي اندلعت في مايو/ أيار 2021. 

كان الفلسطينيون يشكلون بعد عامين من إنشاء هذا الكيان المسخ 12 بالمئة فقط، وتعاملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مع وجودهم كمشكلة وعبء، إلى أن استُدرجوا للانخراط السطحي في الحياة البرلمانية في نهاية العقد السابع من القرن الماضي.

على مدى عقود نفذت السلطات في الكيان العديد من عمليات أسرلة المجتمع الفلسطيني في الداخل، التي كانت قائمة على نشوء ثقافة سياسية تابعة، ومشوهة، ومتولدة دون وساطة الوعي الوطني، لكن سلطات الكيان لم تعِ جيدًا أن الهوية ليست معطى أبديا، بل هي نتاج اجتماعي ثقافي متشكل ومتغير. 

لن أتحدث عن الممارسات الإسرائيلية التي تتضمن مصادرة أراضي الفلسطينيين في الداخل، ومحاصرتهم، وتجميعهم ديموغرافيا، والعمل على إعادة تشكيل هويتهم الثقافية، بما يناسب احتواءهم بصفتهم أقليات متنافرة متنازلة عن المساواة الكاملة، بل سأطرح عليكم كيف فشلت الحكومة المتعاقبة في ترسيخ هذه السياسة؛ لأن هؤلاء السكان فلسطينيون بالأساس، ولن يتخلوا عن قضيتهم. 

ولعل هذا الفشل دفع "الكنيست" الإسرائيلي خلال العقد الأخير إلى سن عدة قوانين تُراجع الحريات السياسية، وتُحدد الشروط المفروضة على الأحزاب غير اليهودية؛ لتتمكن من المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وتمنع التواصل الحر مع الأمة العربية، ولا سيما الدول العربية التي تناصب الاحتلال "العداء". 

كما اتخذت حكومة بنيامين نتنياهو السابقة قرارًا يحظر الحركة الإسلامية في الداخل المحتل يوم 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، ومؤسسات أخرى تنشط في الدفاع عن الأقصى المبارك، واستهدفت قياداتها، وأبرزهم رئيس الحركة الشيخ رائد صلاح، ونائبه كمال الخطيب، بزعم وقوفهما خلف "تأجيج الاحتجاجات" في المسجد الأقصى. 

على الرغم من ذلك تجد فلسطينيي الداخل الآن يشكلون "درع المسجد الأقصى المبادر"، لكونهم يستطيعون الوصول للأقصى، بخلاف سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، ويلعبون دورًا أساسيًّا في مواجهة اقتحامات المستوطنين ونصرة أهالي المدينة المقدسة في دفاعهم المستمر عن ثالث الحرمين الشريفين. 

عقب اندلاع انتفاضة الأقصى التي مرت ذكراها الـ22 قبل بضعة أيام دأب فلسطينيو الداخل المحتل على شدّ الرحال إلى القدس المحتلة؛ للصلاة والرباط في المسجد الأقصى، في تحدٍّ للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، ورسالة واضحة أنهم جزءٌ من الهوية الفلسطينية، وحماةٌ للمقدسات على هذه الأرض المحتلة. 

كما ترك فلسطينيون منازلهم وأعمالهم من أجل الرباط في المسجد الأقصى بشكل دائم، أمثال المرابط "أبو بكر" الشيمي من عكا. 

في مايو/ أيار 2021، كانت مدن الداخل الفلسطيني على موعد مع هبَّة "الكرامة" التي انطلقت في بدايتها تضامنًا مع القدس المحتلة والمسجد الأقصى، وضد الاعتداءات الإسرائيلية حينها، وضد تهجير أهالي حي الشيخ جراح من منازلهم، وتضامنًا مع غزة التي دخلت مقاومتها في معركة "سيف القدس".

آنذاك، تطورت الهبَّة في الداخل المحتل، وشملت معظم المدن الساحلية والبلدات العربية في الداخل الفلسطيني، الأمر الذي فاجأ الاحتلال، فشهدت مدن الداخل اعتداءات عنيفة من الاحتلال والمستوطنين على أهالي مدينة اللد الذين تظاهروا في الشوارع.

دور أهل الداخل لم يقتصر على ذلك، فقد سبق أن شاركوا في هبَّة البوابات الإلكترونية عام 2017، وفي هبَّة "باب الرحمة" عام 2019، وفي هذا الأسبوع شارك أكثر من 500 شاب من فلسطينيي الداخل في أمسية نظمها الحراك الفحماوي الموحد، وبلدية أم الفحم، ومجموعة الرواية الفلسطينية لإحياء ذكرى هبة الأقصى والقدس الـ 22 في المدينة، التي شملت عرضًا مسرحيًّا، وعرض فيلم قصير عن أحداث الهبَّة، إلى جانب كلمة وُجهت لعائلات الشهداء الـ 13 الذين ارتقوا خلال الهبَّة. 

يبدو أن قادة الكيان لا يعون جيدًا أن المسجد الأقصى هو البركان الذي من شأن المسِّ به أن يفجر الأوضاع، ليس في الأراضي الفلسطينية فحسب، بل يمكن أن يكون بداية النهاية للكيان المسخ، مثلما صرح عددٌ من قادة الاحتلال خلال العام الجاري.