توقفت الأوساط الأمنية الإسرائيلية مطولًا عند الهجوم الأمريكي على الحدود السورية العراقية، فوضعت له جملة أهداف أساسية، أولها أنه وسيلة من إدارة الرئيس الجديد جو بايدن لإبلاغ جميع الفاعلين الإقليميين بأن الولايات المتحدة قد تعلمت من أخطاء الرئيس الأسبق باراك أوباما، صحيح أنها تحاول تحقيق أهدافها بالوسائل الدبلوماسية، لكن الخيار العسكري الأمريكي يبقى مطروحًا على الطاولة، وهو حقيقي ومؤلم.
ثاني الأهداف الأمريكية وفق ما يتداوله الضباط الإسرائيليون في الساعات الأخيرة بشأن هدف الهجوم الأمريكي أنه في المقام الأول يسعى لإعادة تأهيل الردع العسكري الأمريكي في المنطقة، وهناك هدف ثالث لا يقل أهمية، يتعلق بأن إيذاء الأمريكيين سيقابل برد فوري سيؤذي الجناة بمجرد تحديدهم على وجه اليقين.
ينظر الإسرائيليون إلى الهدف الرابع من هذا الهجوم أنه موجه للإيرانيين في سياق المشروع النووي، ومشروع الصواريخ الباليستية الطويلة المدى، والاستيلاء على دول في الشرق الأوسط من طريق أذرعها في المنطقة، والرسالة مفادها أننا جادون في الجهود المبذولة لمنع الأسلحة النووية في إيران بالدبلوماسية والحوار.
الهدف الخامس موجه لـ(إسرائيل)، مفاده أنه إذا حاولت إيران اقتحام النادي النووي، يمكن لـ(إسرائيل) الاعتماد على المساعدة الأمريكية، بمشاركتها العملياتية في الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، قد يقول بعضٌ إن هذا استنتاج بعيد المدى، لكن هناك دلائل أخرى على أن الولايات المتحدة بقيادة بايدن لا تستبعد تمامًا استخدام الوسائل العسكرية ضد إيران، في حالة الضغط على حلفاء الولايات المتحدة.
هناك هدف سادس قرأته (إسرائيل) في ذلك الهجوم الأمريكي، أنه تهديد موثوق به ضد تطلعات الصين نحو تايوان، ومحاولاتها للسيطرة على بحرها الجنوبي، وكل ذلك يؤكد أن واشنطن -وإن لم تقل ذلك صراحة- لا تزال تعتقد أن الخيار العسكري الأمريكي مطروح على الطاولة.
يعني الهجوم الأمريكي المشار إليه لكثير من الأوساط الإسرائيلية أن يعلنوا مفاجأتهم بإدارة بايدن، التي فعلت بالضبط ما قالت إنها ستفعله، وفحصت على ما يبدو المعلومات الاستخبارية مع عملاء استخبارات آخرين في المنطقة، ولذلك جاء الهجوم على قاعدة لوجستية وعملياتية أنشأها قائد فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني جزءًا من الوجود العسكري الإيراني في سوريا.
الخلاصة أن هذه القاعدة تعمل كمحطة عبور مهمة جدًّا على الممر البري بين طهران ودمشق ووادي لبنان، وتضم مليشيات موالية لإيران من أفغانستان والعراق وباكستان، وترسل رجالها إلى الحدود مع (إسرائيل)، أو لمحاربة أعداء النظام السوري في الشمال، وتقع على بعد مئات الكيلومترات من (الحدود الإسرائيلية)، ومن ثم أكثر عرضة للهجمات الإسرائيلية، آخرها في مخيم البوكمال في كانون الآخر (يناير) الماضي.