يشرع الطفل في خلق وتطوير علاقات صداقة مع بدء احتكاكه بالمجتمع وخروجه من البيت، ويلاحظ المراقب لسلوك الأطفال أن الطفل يعُدُّ كل طفل آخر يشاركه اللعب هو صديقه، فهو لا يُحدّد تمامًا ما سمات الصديق الذي يريده، كما أن الطفل لا يدري كيف يصل إلى تكوين صداقات، لذلك تراه يجرب وسائل عدة وأطفالًا مختلفين، وعادة ما تكون هذه الصداقات قصيرة الأجل ولا تدوم طويلًا، ولكنها ضرورية للتمرس لبناء واكتساب المهارات اللازمة لإنشاء صداقات لاحقًا.
إلى هذا الحد كل شيء يبدو حسنًا، ولكن:
ماذا لو لاحظتِ أن طفلكِ ينشئ صداقة مع طفل وهمي لا وجود له؟ هل ستشعرين بالخطر يحيط بطفلك؟ هل ستساورك المخاوف على عقله واتزانه وأنتِ تسمعينه يطلب منك طعامًا لهذا الصديق أو يستأذنك في السماح لصديقه بالسباحة معه أو إعطائه دواءً لأن بطنه يؤلمه؟ هل ستشاركينه تقمص الأدوار وتتماهين مع خيالاته لاعتقادك بأن هذه التخيلات ستزول من تلقاء نفسها بعد بعض الوقت؟ أم أنك ستفكرين بضرورة وضع حد لها ورفض التعاطي معها واستشارة اختصاصي نفسي لحماية طفلك من نتائجها المحتملة؟
* نعلم جميعًا أن الأطفال يملكون خيالًا خصبًا مبدعًا، وقدرة عالية على اختلاق الأحداث والأحاديث والقصص وحتى الشخصيات.
توصلت دراسة أجرتها جمعية علم النفس الأمريكية إلى أن ثلث الأطفال تقريبًا يمتلكون صديقًا خياليًا يشاركونه اللعب ويتقمصون الأدوار معه في مرحلة ما من طفولتهم، وقد يمتد ذلك لعمر الثامنة وأحيانًا يطول مدة أطول فيرافق الطفل حتى مراهقته! ولكن، إذا تجاوز الطفل عمر الخامسة وما زال يؤمن بحقيقة وجود صديقه الوهمي، فلا بد من أخذ الأمر على محمل الجد واستشارة اختصاصي نفسي في الأمر.
يستغرق بعض الأطفال في الحديث عن صديقهم بما لا يدع مجالًا للشكِّ في وجوده، لدرجةٍ تُسبِّب إرباكًا لدى الأهل فيفاجؤون حين يعلمون أن صديق طفلهم وهمي لا وجود له! وقد يكون الصديق الوهمي إنسانًا أو حيوانًا أو دمية أو شخصية كرتونية، أو حتى الضمير الحي داخل الطفل الذي يحاسبه ويحثه لسلوك اتجاه معين.
وأحد الأسباب المهمة لخلق الطفل صديقًا وهميًّا هو حاجته إلى شخص يشاركه اللعب ويتحدث معه، خاصة إذا لم يكن لدى الطفل أخ، أو في حال فقد أحد الوالدين، فيكون الصديق الخيالي هنا مسليًّا ومنقذًا للطفل من وحدته ومعينًا له على احتمال الأحداث المؤلمة إن كان الطفل يتعرض لأحداث قاسية ومؤذية جسديًا أو نفسيًا. ولوحظ أن الطفل الوحيد أو البكر في أسرته هو من يلجأ إلى خلق صديق خيالي غالبًا.
عادة ما يتميز الأطفال الذين يمتلكون صديقًا خياليًا بقدرة لغوية تمكنهم من التعبير عن مشاعرهم وآرائهم تعبيرًا يفوق أقرانهم، كما يمتلكون قدرة عالية على التفكير والتعاطف مع الآخرين، ومهارات تواصل اجتماعية متقدمة وتفكير إبداعي.
قد يصبح وجود الصديق الوهمي أمرًا خطِرًا يتطلب النجدة وطلب المساعدة من اختصاصي نفسي إذا بدأ الطفل يقوم بممارسات خطِرة وسلوكيات مضطربة، تحت حجة أن الصديق الوهمي يمليها عليه، أو إذا تعلق الطفل بصديقه الوهمي بشدة ولجأ إلى الانعزال عن محيطه، أو إذا أخذ يبرر تصرفاته ويلقي بمسؤولية أخطائه على صديقه الوهمي.
يتساءل الأهل بقلق كيف يتصرفون إزاء هذا الصديق المتخيل دون أن يؤذوا طفلهم بأن يتركوا له الحبل على الغارب أو يكبتوه ويؤثروا سلبيًّا في قدراته الإبداعية وشخصيته؟
- لا تخلقي لطفلك صديقًا وهميًّا إن لم يقم هو بذلك.
- لا تشجعي وجود الصديق أو تحاولي إجبار طفلك على التخلي عنه.
- لا تتقبلي أن يُلقي بمسؤولية أخطائه على صديقه الوهمي.
- اسألي طفلك عن هذا الصديق لتعرفي ما يعنيه بالضبط لصغيرك، وراقبيه وهو يلعب ويتحدث معه.
- تعاملي بمرونة مع الأمر، فلا تكذِّبي طفلك أو تعنفيه كما لا تسايريه مسايرة تامة، أصغي إليه في حديثه عن مشاعر صديقه فهو إنما يتحدث عن مشاعره الخاصة وما يجول في صدره.
- اجعلي طفلك يتعرف إلى أطفال آخرين: أقارب، أصدقاء، جيران، ويندمج معهم، فهذا ينسيه صديقه الوهمي ويقلل اهتمامه به ويجعله يستمتع مع الأصدقاء الحقيقيين.
- وإذا لاحظت أن الأمر لا يسير على ما يُرام، وسيخرج عن سيطرتك فمن الأفضل استشارة اختصاصي نفسي، وطلب التوجيهات منه.