قد تكون الانتخابات التشريعية هي الأكثر خطفًا للأنظار، لكن تبقى انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني هي الأكثر أهمية للمجموع الوطني، فإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني لا يمكن أن تكتمل إلا بانتخاب أعضاء الوطني للجنة التنفيذية الجديدة لمنظمة التحرير.
لقد حددت وثيقة شباط 2021 التي نتجت عن الحوار الوطني في القاهرة في فبراير الحالي شهر مارس القادم موعدًا لاستكمال اجتماعات الفصائل الفلسطينية الـ14 في العاصمة المصرية، لمعالجة قضايا تشكيل المجلس الوطني في حضور رئاسة المجلس الوطني الحالي ولجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، ولا شك أن تشكيل المجلس الوطني له خصوصية وحساسية بالغة بالنظر إلى تعدد أماكن وجود الفلسطينيين عبر الدول والقارات، وكل منطقة لها خصوصيتها السياسية وتركيبتها الأمنية التي قد لا تسمح في بعض الأحيان بإجراء انتخابات، وبعضها قد تكون تحت تأثير الدول المضيفة لاشتراط مرشحين بعينهم.
إن حالة اللجوء الفلسطينية أكثر من سبعين عامًا تحديدًا في مخيمات اللاجئين المنتشرة ببعض الدول العربية خلقت وضعًا معقدًا في التركيبة السكانية كما هو في الأردن مثلًا؛ حيث يقطن أكثر من 4 ملايين فلسطيني بحسب آخر تقديرات مطلع 2021، وفي لبنان الذي تتأرجح فيه تقديرات الأعداد بين نصف مليون لاجئ مسجلين في أونروا وأقل من نصف ذلك العدد مقيم فعليًّا في المخيمات، إضافة إلى الوضع في سوريا والخليج وقارات الدنيا السبع.
وبالنظر إلى توزيع الأعداد في الدول والساحات المتعددة نجد أن تلك الحالة تفرض توافقًا فصائليًّا أكثر منها إجراءات انتخابية، فالعدد الأكبر في دول ومناطق بعضها لن يسمح بإدارة انتخابات على أرضه، وبعضها يتعذر إجراؤها لأسباب أمنية، ولذا إن الجمع بين الخيارين هو ما سيذهب إليه الجميع، بحيث تجرى الانتخابات في الأماكن التي تسمح فيها الظروف وبالتوافق حيث لا تسمح؛ بغض النظر عن الأسباب وتفاصيلها المعقدة.
المتفق عليه هو أن تشكيل المجلس الوطني يعني استعادة دور فلسطينيي الشتات الذين يمثلون ما نسبته 50.3% (6 ملايين و884 ألفًا بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2021)، هذا الدور الذي لا شك سيركز على الثوابت الفلسطينية، كالعمل على تحقيق العودة، وتفعيل دور مكاتب المنظمة والسفارات الفلسطينية للقيام بواجبها في رعاية المصالح الفلسطينية في الدول التي توجد فيها بصفة دبلوماسية أو غيرها.
ولا شك أن بعض الساحات سيكون تفعيل المقاومة فيها أولوية نظرًا إلى طبيعتها السياسية والأمنية، وهذا لا يتضمن بالضرورة القيام بعمل عسكري انطلاقًا من أراضيها، بل بتوسيع هوامش الدعم والإسناد للداخل تسليحًا وتدريبًا وعملًا استخباريًّا.
قد يرى بعضٌ أن ذلك حلمًا، وهذا طبيعي، فحلم اللاجئ الفلسطيني لم يكن يومًا حياة كريمة في المخيم، أو فراشًا وثيرًا تحت خيمة، بل كان وما زال هو العودة إلى وطنه في القدس وحيفا ويافا ورام الله وغزة والخليل، إن النجاح في الوصول إلى تشكيل المجلس الوطني، مرورًا بالمجلس التشريعي، ثم الرئاسة يعني استعادة "منظمة التحرير الفلسطينية" دورها في قيادة مشروع التحرير، وتجاوز كل سنوات التضليل السياسي والانحراف الوطني عن غايات الشعب الفلسطيني، التي لا تزال تعكسها كل استطلاعات الرأي العام أنها تبدأ بإنهاء الاحتلال وتنتهي بتوفير حياة كريمة للمواطن في دولته الحرة ذات السيادة وعاصمتها القدس.