لا شك أن 48 ساعة من الحوار بين 14 فصيلًا لحل خلافات عمرها 14 عامًا من الانقسام تمثل تحديًا وطنيًّا كبيرًا، نظرًا إلى تكرار فشل الحوارات السابقة في الوصول إلى نهاية وطنية تضمن حياة كريمة للإنسان الفلسطيني على أرضه المحررة، وضمان استمرار صموده أمام الاحتلال وعدوانه، أيضًا قوة الدفع الخارجية قد ساهمت في تحفيز الجميع -حماس وفتح- للتوافق على جعل الانتخابات هي المدخل للمصالحة، فتغير الإدارة الأمريكية حفّزَ السلطة وحركة فتح طمعًا في تفعيل مشروعها السياسي الذي توقف منذ 2009 أي من بداية رئاسة نتنياهو للحكومة الإسرائيلية، والضمانات العربية والإقليمية حفزت حركة حماس لتجاوز مخاوفها من تكرار تنصل فتح والسلطة من استكمال إجراء انتخابات الرئاسة والمجلس الوطني بعد المجلس التشريعي.
إذا ما نظرنا إلى موقف الإدارة الأمريكية الجديدة الذي لا يبدو أنه يحمل رؤية جدية للحل، فإن الارتهان لديمقراطية البيت الأبيض هو وصفة للضياع؛ فمن الواضح أن القضية الفلسطينية ليست على سلم أولوياتها، مقارنة بملف النووي الإيراني وإنهاء حالة الاحتراب في اليمن؛ التي تحدث عنها الرئيس جو بايدن شخصيًّا من على منصة الخارجية الأمريكية قائلًا: "إنها يجب أن تتوقف"، وعين مبعوثًا خاصًّا لذلك، وقدم طمأنات لحلفائه الخليجيين بشأن استمرار دعمه في مواجهة إيران.
في حين تجاهل بايدن ذكر أي تفاصيل عن القضية الفلسطينية، بل إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن رأى أن إعادة سفارة بلاده إلى (تل أبيب) أمرًا غير وارد، مقرًّا بأن القدس "عاصمة لـ(إسرائيل)"، مؤكدًا أنه من الصعب تحقيق تقدم في الوقت القريب رغم تأييده حل الدولتين.
وإذا رأينا أن إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما قد انتهت بخلافات مباشرة مع نتنياهو، فإن إدارة بايدن قد بدأت بجمود ظهرت ملامحه الأولى بتجاوز العرف الأمريكي مع حليفته (إسرائيل)، إذ إن بايدن رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة الأمريكية لم يتصل بنتنياهو رئيسًا للوزراء الإسرائيلي، رغم مرور ثلاثة أسابيع على توليه مهامه، وكان نتنياهو قد هنأ بايدن بعد تنصيبه عبر مقطع فيديو، صحيح أن ذلك لن يؤثر في الدعم الأمريكي المطلق، لكنه يشي بأن بايدن لا ينوي تفعيل ملف المفاوضات بين السلطة و(إسرائيل)، وسيكتفي بتأكيد الموقف التقليدي للإدارات الديمقراطية بحل الدولتين دون خطوات فعلية لتحقيق ذلك، سوى أنها سترمم العلاقة مع السلطة بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، واستئناف الدعم المالي للسلطة، واستئناف التزاماتها المالية تجاه أونروا.
وفي السياق لا بد من استحضار أن الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة بالتزامن مع لقاءات الحوار الفلسطيني، الذي جاء بدعوة مشتركة من مصر والأردن والمخصص لمناقشة الأوضاع العربية ودعم القضية الفلسطينية؛ يمثل تحركًا عربيًّا مهمًّا، خاصة أن البيان الختامي قد أكد "تمسك الدول العربية بحل الدولتين الذي يجسد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة"، وهو ما يدعم الموقف الفلسطيني بالمحافظة على الثوابت الوطنية في مواجهة نتائج "صفقة القرن"، التي أحدثت واقعًا يعزز خطة نتنياهو لضم الضفة الغربية، ويهدد فكرة حل الدولتين التي تتبناها "المبادرة العربية للسلام" منذ 2002.
ومع تجاهل أي سياقات يمكن أن تأخذنا بعيدًا عن التفاؤل، إن الإرادة التي جمعت الفصائل الفلسطينية في القاهرة كفيلة بأن تجعلهم يصلون إلى حد أدنى من التوافق على إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها يوم 22 أيار (مايو)2021 ؛ فليس أمام الجميع إلا أن يذعنوا لفكرة إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بناء على تفضيلات الناخب الفلسطيني الذي لن يعطي فصيلًا بعينه عددًا حاسمًا من المقاعد تمكنه من تجاهل الآخرين، فمع نسبة 1.5% للحسم الانتخابي ستكون كل قوائم الفصائل الحزبية حاضرة على مقاعد المجلس التشريعي ثم المجلس الوطني لاحقًا.