انتهت جولة الانتخابات المحلية في الضفة الغربية، ولم تكن هناك نتائج مفاجئة أو غير متوقعة في انتظار المتابعين، تقدّمت قائمة فتح الرسمية على المنشقين عنها والمستقلين في عدد من المواقع، وفازت قوائم مستقلة في مواقع أخرى، وتشكيلات تحالفية في مواقع ثالثة، وبرز عنصر العشائرية بشكل فجّ في معظم المناطق، وكان الاعتبار الأبرز لدى كثير من المصوتين، وقبلهم لدى من اختاروا مرشّحيهم على أساس هذا العامل وكدافع لاستجلاب الأصوات، خصوصاً في ظل غياب المنافسة الحقيقية المبنية على البرنامج السياسي أو الاعتبار الفصائلي نظراً لمقاطعة معظم الفصائل كحماس والجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي، مع التنويه إلى أن حماس لم تلزم أفرادها بمقاطعة التصويت، وتركت الباب موارباً أمام ترشح بعض القوائم المقربة منها.
كان في المشهد ثمة فائز آخر، وهو تلك الأغلبية التي قاطعت الانتخابات وعزفت عن المشاركة فيها، لا سيما في المدن الكبرى، ففي نابلس كانت نسبة المشاركة في التصويت (20 %) وفي الخليل (30 %) فيما بلغت نسبة المشاركة الإجمالية في عموم الضفة نحو (50 %).
هذه الجماهير الصامتة التي لم تشارك في الانتخاب قد لا تكون سلبية بالضرورة أو ليس لديها ما تقوله، لأنك لو سألت بعض المقاطعين عن دوافعهم فستجد أن أسبابهم وجيهة، مثلما أن اجتهاد من قرر المشاركة على أمل الإصلاح قدر المستطاع وجيه أيضا، لكن الحاصل أن نسبة لا بأس بها من المقاطعين لم تتخلص من رواسب التجربة الانتخابية الماضية (2005- 2006) التي تعرضت للإفشال، بإقالة المجالس المنتخبة من جهة وبتعطيل المجلس التشريعي من جهة ثانية. إضافة إلى عدم قناعتها بجدوى الانتخابات أو نزاهتها في ظل النظام الحالي القائم، وفي ظلّ سياسات السلطة التي يرى قسم من الجمهور أنها قادرة على فرض ما تريد بالقوة والترهيب أو الترغيب وشراء الذمم وتوظيف عامل القبلية والعشائرية لصالحها.
المشاركون من غير فتح بدورهم لم يكونوا حالمين أو متأملين كثيراً من هذه الانتخابات، لكنهم شاركوا على قاعدة الإيجابية، ومحاولة التغيير بدلاً من الاكتفاء بلعن الظلام، وعلى أمل كسر حدة تغوّل فتح في المؤسسات المحلية. لكن المشاركين غير المنتمين لفتح لم يكونوا جميعهم من جمهور حماس، كما أن جمهور حماس لم يشارك كلّه في التصويت، إما لأنه غير مقتنع بجدوى الانتخاب، أو لأنه تشتت بين أكثر من قائمة فيها بعض المحسوبين على الحركة (كما حدث في الخليل)، أو لأنه لم يقتنع بشكل التحالف الحاصل في قوائم معينة (كما حدث في نابلس).
يمكن أن ينسحب الأمر إلى حد ما على انتخابات الجامعات، والتي شهدت أيضاً نسبة تصويت متدنية في معظم المواقع التي فازت فيها فتح، والمقاطعة كما هو معلوم تخدم الحزب الحاكم لأن كتلته التصويتية معروفة، وهو قادر على توظيفها وحملها على الانتخاب، وستحقق له التفوق في حال مقاطعة نسبة كبيرة من الجمهور. وحدها انتخابات جامعة بيرزيت من شهدت نسبة إقبال عالية على التصويت، ذلك أنه في هذا الموقع كان يبدو أن هناك جدوى من المشاركة والانتخاب، وذلك لضآلة التدخل الأمني المباشر في مجرياتها ولعدم خضوع إدارة الجامعة للوصاية الخارجية، ولأن التجربة الانتخابية فيها تُحترم ولا تُجهض، ويرى الطالب ثمارها.
يبدو هنا أن سؤال الجدوى بات يلحّ كثيراً على الجمهور الفلسطيني في الضفة، مثلما يبدو أنه –في معظمه- غير مستعد دائماً لتكرار التجارب الانتخابية التي يشكّ بإمكانية إحداثها تغييراً مفصلياً في حياته، ذلك أن فقه الموازنات والمفاضلة بين الخيارات لا يبدو أنه مطروح لدى عموم الناس التي تفضل أن ترى خيارات واضحة متمايزة، وقبل ذلك أن تطمئن إلى نزاهة الممارسة السياسية، وإلى جدوى تأثير التغيير في واقعها.
أما حماس فلا شك أن خياراتها في الضفة بحاجة إلى مزيد من العناية في الدراسة والموازنة واعتماد الأفضل، بعيداً عن الجمود أو التشتت، وبما يحفظ تماسكها التنظيمي وإيجابيتها المتفاعلة، ولكن في الوقت نفسه بما يجنبها الاستغراق في مسارات قليلة الجدوى، أو التعويل عليها أكثر مما يجب.