اليوم سجلت السلطة الفلسطينية ما يمكن تسميته نصرًا قانونيًّا على الاحتلال وعلى الدول الحامية لتصرفاته. اليوم أقرت الجهات الدولية المختصة بولاية محكمة الجنايات الدولية على الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذا الإقرار الذي طال انتظاره يمنح محكمة الجنايات الدولية الحق في النظر القانوني في شكاوى فلسطين المرفوعة أمامها منذ مدة من الزمن.
القضايا المرفوعة أمام محكمة الجنايات يمكن جمعها في ملفات منها: ملف الاستيطان وسرقة الأراضي الفلسطينية، وملف الاعتداء على الموطنين المدنيين في أثناء مسيرات العودة السلمية، وملف الأسرى، وملف الحرب على غزة وقتل المدنيين وتدمير المباني السكنية.
في ملف الحرب على غزة في ٢٠٠٨ و٢٠١٢ و ٢٠١٤م ارتكبت قوات الاحتلال ما يمكن تسميته جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وقد أدان تقرير جولدستون الاحتلال بهذه الجرائم عقب حرب ٢٠٠٨م، ولكن لم يعاقب الاحتلال على جرائمه هذه. ومن المعلوم أن هذه الجرائم تكررت في الحروب التالية، وتمكنت دولة الاحتلال من الإفلات من العقاب برفضها اختصاص محكمة الجنايات، وباتهامها المقاومة بالإرهاب. ولكن اليوم أقرت المؤسسات الدولية اختصاص محكمة الجنايات في النظر في الشكاوى الفلسطينية، والدولية، وشكاوى منظمات حقوق الإنسان، وإصدار ما يلزم إصداره من أحكام رادعة ضد الأفراد، وضد دولة الاحتلال، ومرتكبي الجرائم.
جرائم الاحتلال لم تقف عند ساحة المعارك والحروب، إذ هناك ملف كبير فيه تسجيلات قتل واعتداء لجيش الاحتلال ضد مظاهرات مدنية سلمية خرجت تندد بالاحتلال وتطالب بالحرية، وهي التي أطلق عليها الفلسطينيون مسيرات العودة وفك الحصار، وقد تم توثيق هذه الجرائم بالصور وبالوثائق القانونية، من جهات مختلفة فلسطينية ودولية.
ولعل أكبر جرائم الاحتلال بعد قتل المدنيين وهدم المنازل، يكمن في الاستيطان وسرقة الأراضي الفلسطينية وتهويدها وضمها، حيث لا يحتاج هذا الملف لدفاع قانوني كبير لأن ما هو قائم على الأرض أقوى من كل الوثائق، ولا يمكن للاحتلال أن يدفع اتهامات هذا الملف.
هذا وإن إقرار ولاية المحكمة الجنائية على فلسطين يحمل في طياته اعترافا من المحكمة والجهات الدولية ذات الصلة بأن الضفة الغربية والقدس وغزة هي أراضٍ فلسطينية محتلة، تخضع لتنظيمات القانون الدولي الخاص بحالة الحروب والاحتلال.
نعم، جاء هذا النصر القانوي المتواضع بعد طول انتظار، حيث اتسمت حركة المحكمة بالبطء، بل والبطء الشديد، نظرا للمعوقات السياسية التي قادها ترامب ونتنياهو ضد المحكمة، ولكن أن يأتي بطيئا خير من أن لا يأتي، ومن ثمة رحبت السلطة والفصائل بهذا النصر، ولكن يجدر بنا أن نعلم أن الطريق ما زال طويلا لنصل للإنجاز الذي نريده، وطول الطريق وبطء الإجراءات ليسا المعوق الوحيد، بل هناك معوق آخر يكمن في إرادة السلطة في المتابعة، وترك المساومة السياسية، ومتابعة الإجراءات القانونية من جهات مختصة قادرة على صناعة ضغط ومتابعة قادرة على تعجيل الإجراءات والحصول على الأحكام المنصفة لقضيتنا، والمكافِئة بنسب ما لتضحيات شعبنا، التي ليس لها ما يكافئها حتى عند أهل العدل من البشر، ولكن أمرها في النهاية لله وحده.