إن ما نلاحظه أحيانًا من قصور في الإعلام الفلسطيني في تأدية مهامه بالطريقة المقنعة والجذابة، لا يتحمل مسؤوليته الإعلاميون أنفسهم وحسب، بل من يسمون الأوصياء على العملية الإعلامية في جانبيها السياسي والتنفيذي، فمعظم هؤلاء لا يكتفون بوضع السياسة الإعلامية العامة، المكلفين بها، بل أخذوا يتدخلون في بعض وسائل الإعلام، بأدق التفاصيل حتى الصياغات والكلمات والجمل، وهذا التدخل الذي يتخذ طابعًا فظًّا أفقد الإعلامي الثقة بإمكانية أن تصل مادته إلى النشر بالشكل الذي صيغت به، وهذا ما دفع المسؤولية عنه، وعمق روح الاتكالية على الآخرين، والمشكلة أن بعض هؤلاء الأوصياء لم يكونوا في غالب الأحيان على قدر كافٍ من الثقافة الإعلامية لأداء جيد، وهذا ما جعل الإعلامي يشعر بأنه تابع، وليس بالضرورة أن يفكر ويعمل وفقًا لرؤاه، لأن الأوصياء يفكرون عنه ويوحون بأنهم يعملون لمصلحة الوطن أكثر من الجميع، والمشكلة أن فهمهم لهذه المصلحة مرتبط في غالب الأحيان بمصلحتهم الخاصة، لذلك إن تجاوز هذه الإشكالات الكابحة لعملية تطوير الإعلام الفلسطيني يتطلب تغيير معادلة العلاقة بين الأوصياء الإعلاميين ومنفذي السياسة الإعلامية، بحيث تتاح للإعلاميين مجالات أرحب وفسحة واسعة من حرية التعبير، وإيجاد الكوادر المؤهلة أو تهيئة الكوادر الموجودة، بحيث يصبح الإعلامي الحر قادرًا على التأقلم والتكيف مع عصر ثورة الاتصالات والفضائيات، والإنسان بطبيعته يملك استعدادًا للتأقلم السريع مع كل ما هو أكثر تقدمًا ورقيًّا وحضارة.
نخلص من ذلك إلى أن أزمة حرية الصحافة في الوطن العربي -وفلسطين جزء منه- لا تنفصل عن أزمة الديمقراطية، حيث تسود الأنظمة السلطوية التي تضع كل السلطات في يد رئيس الدولة ملكًا أو رئيسًا أو سلطانًا أو أميرًا، وفي إطار عدم التوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تحولت معظم وسائل الإعلام العربية إلى أجهزة حكومية، مهمتها الدعاية لأنظمة الحكم، وتعبئة الجماهير وحشدها لتأييد سياساتها وممارساتها.
ومع ما شهدته بعض الدول العربية من تحول إلى نظام التعددية السياسية والصحفية لم تتحرر الأنظمة الصحفية في تلك الدول حتى الآن من تراث النظرية السلطوية، حيث تهيمن الحكومة على وسائل الإعلام وعلى الصحف المركزية الرسمية وتمارس أشكالًا مختلفة من التنظيم والسيطرة، مثل التحكم في تراخيص إصدار الصحف وتعيين رؤساء التحرير وتوجيه السياسات التحريرية والتحكم في تدفق المعلومات والإعلانات، علاوة على القيود القانونية التي تجيز مراقبة الصحف ومصادرتها وتعطيلها، وحبس الصحفي، إذا تجاوز الحدود المرسومة له.
التوصيات:
بعد هذا التوصيف لطبيعة العلاقة بين السياسة ووسائل الإعلام لا بد من الخروج بمجموعة من التوصيات، لعلها تعمل على الرقي بإعلامنا من ناحية وضبط العلاقة مع الأحزاب والحركات السياسية من ناحية أخرى:
أولًا: تفعيل نظام المسؤولية الاجتماعية الذي يفتح المجال لحرية التعبير عن الرأي وامتلاك وسائل الإعلام لمن يشاء، شريطة الالتزام بقواعد المهنة وضوابطها، والمرجعية في ذلك القضاء المسؤول عن المحاسبة والفصل عند الاختلاف.
ثانيًا: مراعاة الموضوعية عند تناول القضايا الخلافية الداخلية، والتعامل الإستراتيجي مع مختلف القضايا المصيرية، وتجنب ردات الفعل التي باتت تحكم العمل الإعلامي الفلسطيني، والتركيز على وحدة الصف الفلسطيني والبعد عن توتير الشارع وشحن النفوس.
ثالثًا: تشجيع أصحاب رؤوس الأموال الفلسطينيين في الداخل والخارج على دخول سوق الإعلام الفلسطيني بإتاحة البيئة الصالحة للمنافسة، للتخفيف من استحواذ الأحزاب السياسية والحكومات على وسائل الإعلام.
رابعًا: إتاحة الفرصة للصحفيين الفلسطينيين للعمل حسب مقتضيات وشروط المهنة دون وصاية من السياسيين أو الأجهزة الأمنية.
خامسًا: تفعيل نقابة الصحفيين والأجسام الصحفية الشرعية لتمثل البيت الآمن لكل صحفي، ومرجعية يلجأ إليها عند الحاجة لحمايته من تغول الأحزاب السياسية والأجهزة الأمنية المختلفة.