فلسطين أون لاين

التعليم الإلكتروني... أمانة فلا تُخرج نفسك من هدي الرسول بـ"الغش"

...
غزة- ريما عبد القادر:

ظروف صعبة تحيط قطاع غزة المحاصر، لكنه في كل مرحلة يقدم صورة مشرقة يتقدم بها إلى مرحلة أخرى ويتجاوز الصعوبات رغم قلة الإمكانات، فكانت جائحة كورونا التي أربكت العالم أمرًا عصيبًا عليه، ومع ذلك عمل محاولًا التعامل مع كل المجريات حتى يكمل مسيرة الحياة، ومن أهمها المسيرة التعليمية، والعمل ضمن خطة الطوارئ بقدر المستطاع.

كانت عملية التعليم الإلكتروني، وتقديم الطلبة الامتحانات في إطارها أمرًا جاوز العديد من الصعوبات، إلا أن ثمة مخاوف أثيرت من أن يكون بعضٌ بقصد أو دون ذلك نظر إلى هذه العملية وسيلةً للقيام بأمور غير مشروعة باستخدام أساليب تدخل في إطار الغش.

الغش في الامتحانات

قدم الإسلام العظيم أروع صور الأمانة والنزاهة في كل شيء، ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قدوة حسنة، فكانت سنته الفعلية خير دليل على ذلك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا؛ فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟"، قَالَ: "أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ"، قَالَ: "أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي".

فجاءت هذه السنة دليلًا واضحًا على تحريم الغش في كل شيء لعموم الحديث الذي رواه مسلم، فكان بمنزلة المنهج الذي يبين أن الغش في كل حالاته لا يجوز، وعند النظر إلى ما يترتب على فعل ذلك تجده في قوله (عليه الصلاة والسلام): "مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي"، فهذا يشير إلى خطورة الغش حينما نجد هذا العقاب الذي سيصيب الغاش، إذ قال أهل العلم عن ذلك: أي أن الغاش: "ليس ممن اهتدى بهديي واقتدى بعلمي وعملي وحسن طريقتي"، والغش مجمع على تحريمه عند المشرعين، ومذموم مرتكبه بفطرة العقول.

وعلى ذلك يعقب الأكاديمي الباحث المتخصص في مجال الفقه الإسلامي المقارن د. سالم أبو مخدة قائلًا: "الغش غش في السوق أو الامتحانات ... أو غير ذلك، فقد جاء الحديث عام في جميع أنواع الغش".

ويضيف في حديثه مع صحيفة "فلسطين": "لعل من أشهر أنواع الغش في واقعنا المعاصر الغش في الامتحانات، والتكاليف، والتقارير، وكتابة الأبحاث، نظرًا لأن الدراسة عالميًّا تمارس ذلك من طريق التقنيات الحديثة: "المودِل" (هو برنامج إلكتروني يقدم عبره الطالب الامتحانات من طريق الهاتف النقال أو الحاسوب) أو غيره من المنصات".

حرام في الشرع

وفيما يتعلق بالحكم الشرعي لهذا الفعل يؤكد د. أبو مخدة أنه لا يجوز لطالب أن يتقدم مكان طالب آخر في التكاليف والاختبارات.

ويبدو أن الأمر لا يقتصر على ذلك، بل هو أكبر بكثير مما قد يسمع ويرى إذ يقول د. أبو مخدة: "أصبح اليوم هناك مؤسسات تعليمية عابرة للدول تقوم بأعمال كهذه، وتتقاضى أموالًا من خلف هذه الأعمال، ويشتغل معها كوادر متعلمة وقد يكون لها وزنها".

ويتابع: "أصبح الغش اليوم منظمًا وباحترافية أكبر، ولا نستطيع أن نطلق على كل ما يحصل إلا أنه غش، رغم ما يقال من حجج ومسوغات ودواعي الحاجة المادية وقلة ذات اليد، فإن الغاية لا تبرر الوسيلة".

وعما قد يترتب على خطورة هذا الفعل يقول د. أبو مخدة: "أفعال كهذه ستخرج جيلًا لا علاقة له بالعلم وسيكون ضعيفًا في سوق العمل، لذلك إن نظرنا في هذه القضية من جميع جوانبها فإنها تدخل في إطار الغش، والأموال المتحصلة من خلف هذا العمل هي حرام شرعًا؛ لأنها جاءت من طرق غير مشروعة وتؤدي إلى أجيال تضر بالأمة، والله (تعالى) أعلى وأعلم".

وهذا ما يؤكده الخطيب د.عبد الباري خلة لصحيفة "فلسطين" بقوله: "جيل الغش هو جيل الضياع، فماذا نتوقع يوم يتخرج الطبيب الغاش، والمهندس الغاش، والمعلم الغاش، والعالم الغاش؟! فسادًا ما بعده فساد، فإذا كان التعاون بين أفراد المجتمع فليكن على ما ينفع، وما يصلح، لا على ما يضر، وما يفسد"، مشيرًا إلى أن من يساعد على الغش هو شريك، وكل ذلك حرام.

مصلحة ملغاة

وقد يزعم بعضٌ أن عملية الغش "مصلحة لهم وأن فيها مساعدة للآخرين"، وعلى ذلك يعلق

د. خلة قائلًا: "هذا زعم باطل، مجرد من الصحة؛ لأن هذه مصلحة ملغاة، كما يقول علماء الأصول، والمصلحة المعتبرة عندهم يجب ألا تعارض نصًّا من الكتاب أو السنة صحيحة أو نحوهما".

ويكمل د. خلة: "ما يزعمون أنه مصلحة هو مصلحة موهومة، لا اعتبار لها، فالمصلحة هي المنفعة التي يقصدها الشرع من أجل حفظ مقاصد الشريعة، والغش يتعارض مع المقاصد السامية للشريعة؛ لذا كان الغش حرامًا".

هذه الكلمات رسالة ليست لكل طالب علم فحسب، بل لكل مسلم، أن يحفظ نفسه ويتقي الله (تعالى)، حتى لا يكون من الذين قال عنهم الرسول (صلى الله عليه وسلم): "مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي"، شمر عن ساعديك واجتهد واعمل بالأسباب، واجعل تقوى الله (تعالى) بين عينيك، وافتح صفحات كتابك، وتلقَّ العلم بطاعة العليم الخبير، وتيقن أن الفلاح سيُصيبك ليس في الامتحان فحسب، بل في حياتك كلها؛ فتنعم بسعادة الدنيا ونعيم الآخرة؛ فلا تحرم نفسك ذلك.