على مر السنوات، كانت "تل أبيب" تمثل قلب الاقتصاد الإسرائيلي ومركزاً لتجمع أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين، بالإضافة إلى كونها وجهة للسائحين، ومع ذلك، تغير هذا الحال بشكل ملحوظ بعد استهداف المقاومة الفلسطينية لها، وتفاقم الوضع مع توجيه جماعة الحوثي اليمنية ضربة لها وتوعدها بالمزيد من الهجمات.
حيث يرى مراقبون اقتصاديون أن "تل أبيب" لم تعد العاصمة الاقتصادية التي تتغنى بها دولة الاحتلال في منطقة الشرق الأوسط، وأن لذلك سيكون تداعيات كبيرة على الناتج المحلي الإجمالي، ويشيرون إلى أن محاولات طمأنة الاحتلال للمستثمرين بالبقاء لن تفلح في تحسين الوضع، وأن السياحة من أكثر القطاعات تضرراً.
أوضح الاختصاصي الاقتصادي، د.هيثم دراغمة، أن "تل أبيب" تعد بمثابة العاصمة الاقتصادية لدولة الاحتلال لأنها مركز مالي وتجاري وتكنولوجي، ولذلك، فإن تعرضها لأي استهداف اقتصادي أو أمني يمكن أن يترتب عليه آثار واسعة النطاق على الاقتصاد الإسرائيلي، وبخاصة في أسواق المال، والاستثمار الأجنبي وقطاعات اقتصادية حيوية.
ولفت دراغمة في حديثه لـ "فلسطين أون لاين"، إلى أن تعرض "تل أبيب" لقذائف المقاومة الفلسطينية خلال فترة الحرب، وما واجهته في الأيام الأخيرة من استهداف جماعة الحوثي، زاد من القلق الإسرائيلي تجاه مستقبل اقتصاد تل أبيب، فهي المدينة التي تعد قلب (إسرائيل) الاقتصادي، منوهاً إلى أن اعتبار الحوثيين أن تل أبيب لن تكون بمنأى عن ضرباتهم أثار مزيداً من الخشية لدى أصحاب المال والمستثمرين المحليين والأجانب.
ويؤكد دراغمة على أن دولة الاحتلال باتت منفرة للاستثمارات بعد أن كانت تصنف من أفضل الوجهات لاستقطاب رؤوس الأموال، وأن ذلك يترجم في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، مما سيكون له تداعيات وخيمة على الاقتصاد الإسرائيلي.
وأشار إلى، أن السياحة لم تعد شريان حياة للاقتصاد الإسرائيلي، إذ أن الأرقام تشير إلى أنها كانت تضخ سنوياً ما بين 50 إلى 70 مليار دولار.
وبين الاقتصادي أن "تل أبيب" تعتبر واحدة من أبرز المراكز المالية والتجارية في الشرق الأوسط، فهي مركز مالي رئيسي في دولة الاحتلال وتستضيف العديد من البنوك الكبرى والشركات المالية، كما أن بورصة "تل أبيب" (TASE) هي من أبرز أسواق المال في المنطقة.
وأشار إلى أن المدينة تضم مقرات البنوك الكبرى مثل بنك هبوعليم وبنك ليئومي، بالإضافة إلى شركات تأمين واستثمار، وتُعرف تل أبيب بأنها مركز للتكنولوجيا والابتكار، تُستثمر في تل أبيب مبالغ كبيرة في الأبحاث والتطوير، مما يعزز مكانتها كمركز تكنولوجي عالمي.
وحسب ماهو منشور في شبكة الانترنت تُعتبر تل أبيب وجهة سياحية شهيرة، حيث تستقطب السياح بفضل شواطئها الجميلة، والحياة الليلية النابضة، والمعالم الثقافية، تشمل السياحة في تل أبيب زيارة المتاحف، والمهرجانات الثقافية، والمعارض الفنية.
تُعد تل أبيب مركزًا رئيسيًا للتجارة، حيث تتركز فيها العديد من الشركات التجارية الكبرى والمراكز التجارية، وتوفر المدينة مجموعة واسعة من الخدمات من بينها الخدمات المهنية، والاستشارية، والإعلانات، والإعلام.
تمتاز "تل أبيب" ببنية تحتية متطورة تشمل شبكة نقل عام فعالة، ووسائل نقل حديثة، تعتبر المدينة جزءًا من البنية التحتية للطاقة في دولة الاحتلال، مع وجود شركات تعمل في قطاع الطاقة المتجددة.
من جانبه، قال الاختصاصي الاقتصادي، د.ثابت أبو الروس، إن دولة الاحتلال كانت تعتبر منذ سنوات طويلة واحدة من الاقتصادات الرائدة في منطقة الشرق الأوسط، بعدما نجحت في جذب استثمارات دولية ضخمة بفضل بنيتها التحتية المتطورة وبيئتها التكنولوجية المتقدمة، لكن الوضع تغير نتيجة الحرب على قطاع غزة، مما أثر بشكل كبير على جاذبية الاقتصاد الإسرائيلي للاستثمارات الأجنبية.
أوضح أبو الروس لـ "فلسطين أون لاين" أن الاقتصاد الإسرائيلي لم يعد كما في السابق، وأن فرص تعافيه حال انتهاء الحرب لن تكون سريعة، خاصة في استعادة ثقة المستثمرين والشركات التي سحبت استثماراتها وانتقلت بحثاً عن أماكن أكثر أماناً.
وأضاف أن استمرار تعرض مراكز حيوية في دولة الاحتلال للهجمات الفلسطينية والمقاومة الخارجية سيؤدي إلى حدوث تقلبات حادة في الأسواق المالية، حيث أن هروب المستثمرين الذين يسعون لتجنب المخاطر المرتفعة يتسبب في انخفاض حاد في قيمة الأسهم الإسرائيلية.
أيضاً، قد ترتفع معدلات الفائدة على القروض والسندات الحكومية نتيجة لتزايد المخاطر الاقتصادية، مما يزيد من تكلفة الاقتراض للحكومة والشركات، كما يمكن أن تتدهور قيمة العملة الإسرائيلية أمام سلة العملات الأخرى.
ونوه أبو الروس إلى أنه حتى في حال حصول دولة الاحتلال على دعم دولي لتعويض خسائرها في الحرب، فإن ذلك لن يعيد ثقة المستثمرين في الاقتصاد الإسرائيلي، حيث أن حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني تشكل تهديداً مباشراً على عائدات الاستثمارات وسلامة الأصول المالية، فضلاً عن ذلك، فإن العمل في ظل الحرب يرفع من تكاليف التأمين على الممتلكات، وهو ما يشكل نفوراً للمستثمرين.
وسبق أن أعلنت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني عن خفض التصنيف الائتماني السيادي لدولة الاحتلال لأول مرة على الإطلاق في فبراير/شباط الماضي.
وأوضحت الوكالة أن خفض التصنيف جاء بتأثير المخاطر السياسية والمالية التي سببتها الحرب على غزة.
كما توقعت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني أن يبلغ العجز المتوقع في موازنة 2024 حوالي 6.8%، وأن يسجل العجز المالي المتوقع العام المقبل 3.9% لافتة إلى أن 12.5% نسبة الزيادة في الانفاق العام في 2023 بسبب الحرب على قطاع غزة.