فلسطين أون لاين

خواطر في الانتخابات الفلسطينية (2021)

...

كَثُر الحديث أخيرًا في وسائل الإعلام المختلفة عن الانتخابات الفلسطينية، وعن طريقة اختيار المرشّحين، وعن ضرورة تجديد الدماء ومعاقبة المقصرين في الانتخابات السابقة، لن أتدخّل في النواحي السياسية، ولن أتحدث عن أهمية المواقف السياسية لهذا الحزب أو ذاك، ولن أتحدث عن الحصار، وعن أسباب فشل أو نجاح هذا الحزب أو ذاك، أو عن دور الحصار الدولي ومحاولات إفشال التجربة الديمقراطية الفلسطينية، سأتحدث عن موضوع محدّد، وهو معايير المفاضلة بين المرشحين.

كثيرًا ما نلاحظ في مواقع التواصل الاجتماعي التهجّم على أحزاب معينة، أو على أشخاص معينين، فتارةً نتهمهم بالضعف والفشل، وتارةً أخرى بالفساد أو التسلط أو التساوق مع الاحتلال، من حق المواطن البسيط حتى "العارف" أن ينتقد المسؤولين والقادة السابقين والحاليّين، فالوضع صعب، والآفاق في غالبها مظلمة، ولكن هذا لا يمنع التفكير بموضوعية في هذا الموضوع، لذلك سيركّز حديثي على معايير اختيار المسؤولين من بين المرشحين، في حال أراد الله أن تجرى الانتخابات الفلسطينية في موعدها.

من السهل في الواقع الحديث عن اختيار "القوي الأمين"، فنحن متفقون على ضرورة اختيار الأفضل، ومتفقون على معاقبة الفاسدين، وكلّنا نهدف إلى الإصلاح والتقدم والنهوض، ولكن هذا الأمر ليس سهلًا في التطبيق، فهناك على الأقل مشكلتان:

الأولى تتمثل في مدى قدرة المواطن على تقييم مدى كفاءة وأمانة ونزاهة المرشحين، وهذا الأمر ليس باليسير، خصوصًا أنّ وسائل التواصل الاجتماعي امتلأت بالكذب والإشاعات والافتراءات، وأن الشعوب أصبحت تصدّق هذه الافتراءات بسهولة لأنها ترغب في تصديقها، فقط لأنها تعاني أو لأنها لا تمتلك آليات لِنَفي هذه الافتراءات، فهل كل من يمتلك شهادة هو كفؤ؟ وهل كل من يظهر في الإعلام هو قدير؟ وهل كل من بنى بيتًا جميلًا هو فاسد؟ وهل كل من يستقبل الناس في بيته بحفاوة هو مخلص؟ لا تستغرب عندما تجد أن بعض الناس يعد مجرد امتلاك المسؤول سيارة عادية، أو استخدام مسؤول أمني سيارة حكومية رمزًا للثراء والفساد!، ولا تندهش إذا رأيت الناس يحلفون بحياة رجل لمجرّد أنه كثير الظهور في الأوساط الاجتماعية وعلى وسائل الإعلام.

المشكلة الثانية تكمن في طبيعة الشخص المرشّح المطلوب للمنصب، والنتيجة النهائية المتوقعة من هذا المرشح، فلو فرضنا على سبيل المثال أن المواطن موضوعي، وأنه يمتلك معلومات صحيحة كاملة عن المرشحين، فيمكننا أن نسأل بعض الأسئلة من قبيل: ما معيارنا في الاختيار حتى نضمن أفضل النتائج على المستوى الجماعي، حتى الفردي؟ لمن يجب أن تكون الأولوية؟ هل يجب مثلًا أن نختار الأقوى، والأكثر كفاءة؟ أم أن علينا اختيار الأطيب والأكثر تواضعًا؟ هل نختار الأكثر شعورًا بهموم الناس، أم الأكثر طاقةً والأكثر قدرةً على خدمتهم؟ هناك العديد من المعايير التي يجب حسابها وترتيبها بدقة حتى لا نقع في "الأخطاء السابقة"، وكي لا نكون فريسة لأهوائنا أو غضبنا، على سبيل المثال، هناك معضلة حقيقية أحيانًا في الاختيار بين مرشّح "ضعيف جدًّا" ولكنه "نزيه وأمين"، ومرشح "قوي جدًّا"، ولكنه "فاسد أو متسلط قليلًا"، المفاضلة صعبة، والشعبوية خطيرة، وعلينا ألا نغترّ بالمظاهر، لأن "المظاهر خدّاعات" كما يقولون.

لذلك، إن المنظومة المعرفية، الفردية والجماعية، تلعب دورًا مهمًّا في هذا المجال. ويقع على عاتق النُّخب السياسية والفكرية دورٌ محوريٌّ في مساعدة المواطن على "الاختيار السليم"، وفي رأيي أن الأحزاب السياسية مؤسسات هي جزءٌ مهم من هذه المنظومة في حال صَلُحت (سنتحدث عن ذلك في مقال آخر بإذن الله).

في النهاية، إنني أنصح الإخوة والأخوات، المفكّرين والمفكّرات، بعدم الخوض في هذه الأمور بعشوائيّة، بل يجب عليهم توعية المواطنين وتوجيههم بطريقة موضوعية نحو المعايير الأفضل، بعيدًا عن السخرية والتندّر والسّطحية والصور النمطية التقليدية، لأن الأمر خطير ومصيريّ، وأما الفرد البسيط مع ضعف الثقة في النّخب وفي الأحزاب السياسية؛ فإن أفضل طريقة للنجاة هي تحكيم الضمير والنيّة وعدم التفكير فقط في المصلحة الشخصية، فعندما يضع المرءُ مخافةَ الله بين عينيه، ويخلص النية لله (عزّ وجلّ) يجب أن يكون واثقًا بأن خياره سيكون هو الأفضل، بإذن الله، مهما كان ظاهره.

المصدر / د. كمال محمد المصري