تزداد الدعوات الإسرائيلية للانفصال عن الفلسطينيين، رغم وجود أصوات موازية تدعو إلى ضم مزيد من أراضيهم عنوة لسيطرة الاحتلال، مع أنه في العقود الأخيرة منذ عام 1967 اتخذت (إسرائيل) عددًا من الخطوات لفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة تحت أطروحة "فرِّق تسُد"، والنتيجة اليوم وجود ثلاثة كيانات: (إسرائيل) وقطاع غزة والضفة الغربية، وبجانب التقسيم الجغرافي، هناك سياسة مالية تجعل الفلسطينيين معتمدين اقتصاديًّا على (إسرائيل).
هذه الدعوات الإسرائيلية المتباينة، التي تزداد حدة مع مواسم الانتخابات، تعيد إلى الأذهان ما حصل بعد حرب 1967 بوقت قصير، حين نشر الجنرال إيغال آلون خطته الخاصة بالضفة الغربية، ولا تزال تعد الخطة الأمنية الوحيدة الصحيحة للمصالح الإسرائيلية، ولكن منذ ذلك الوقت تدفقت الكثير من المياه في النهر، فقد تغيرت الظروف، على الأقل جزئيًّا.
اليوم يوجد المئات من ضباط الجيش وجهاز الأمن العام والموساد والشرطة، يعتقدون أن الدولة ثنائية القومية ستكون كارثة على (إسرائيل)، لأنه بحلول عام 2022، يتوقع أن يكون هناك عدد متساوٍ من المسلمين واليهود بين البحر والنهر، ما يعني أن الدولة ثنائية القومية تعني نهاية الدولة اليهودية، خاصة وأن الفلسطينيين موجودون هنا، منزرعون أمامهم، ولا يمكن للاحتلال تجنبهم، حتى لو صنع السلام والتطبيع مع دول الخليج والمغرب والسودان.
يقود التجاهل الإسرائيلي الفعلي لمطالب الفلسطينيين بإقامة دولتهم، إلى حقيقة دولة ثنائية القومية، مع أن الحركة الصهيونية لم تجعل هدفها الاستراتيجي إقامة هذه الدولة، بل تأسيس دولة يهودية، وإلا فإن الحلم الصهيوني سوف يختفي، صحيح أنه ليس لدى الاحتلال حل سحري لهذه المعضلة، لكن المسألة الأمنية في حل الانفصال عن الفلسطينيين معقدة للغاية، وهذا السبب الذي يجعل الحكومة الإسرائيلية مضطرة إلى التعامل معها طوال الوقت انطلاقًا من إدارة الأزمة وليس حلها.
أصحاب الدعوات المطالبة بالانفصال عن الفلسطينيين، يعتقدون أن البقاء بينهم سيعقد الوضع معهم أكثر، مع أن تجنب المشكلة ليس هو الحل، كما جرت العادة لدى الأحزاب الإسرائيلية منذ انتخابات ديسمبر 2019 وحتى الآن، حيث يتحضر الإسرائيليون لخوض انتخاباتهم المبكرة الرابعة خلال عامين في مارس.
جاء ذلك لافتًا فعلًا، فرغم تنوع برامج مختلف الأحزاب الإسرائيلية، من اليمين والوسط وما تبقى من أنقاض اليسار، لكنها في معظمها لم تتطرق للقضية الفلسطينية، وكأنه لا توجد مشكلة تحت أنوفهم تنتظر الانفجار داخلهم، مع أن عدم الانفصال عن الفلسطينيين، بل المضي قدمًا في إجراءات ضم الضفة الغربية سيكلف الإسرائيليين قرابة 52 مليار شيقل سنويًّا لإدارة شؤون الفلسطينيين، وهو رقم يشكل كابوسًا للاحتلال الذي يمر بأزمة مالية خانقة، بسبب كورونا وتبعاتها!