قد يكون مفاجئًا (حتى للمراقبين) إعلان إعادة إحياء المصالحة من آخر نقطة وصلت إليها من بعد خيبة الأمل التي مثلها قرار السلطة العودة للتنسيق الأمني في منتصف نوفمبر 2020م، لكن من الواضح أن طرفي "مسار التفاهمات" بين الحركتين لم يستسلما للعقبات الداخلية لكل منهما، مع استحضار أن الضغط الخارجي كان أكبر من الرفض الداخلي تحديدًا لاستكمال ذلك المسار، ولا شك أن مسار التفاهمات مع حركة فتح أوجد مناخًا سياسيًّا جديدًا لحركة حماس؛ فبعد "الفيتو" المصري على أي دور لا تكون القاهرة أساسه أصبح اتفاق إسطنبول مقبولًا لديها؛ بل مرتكزًا للضغط على الطرفين لقبوله أولًا.
إن إعلان حماس وفتح ضمانات متعددة من دول لا يجمعها تقارب في المواقف الإقليمية يمثل نقطة قوة لمصلحة حماس، ولكن ليس على حساب فتح، ومع ذلك إن حركة حماس بإمكانها أن تستثمرها في تعزيز حضورها الإقليمي والدولي، وصحيح أن الضمانات من أربعة دول (مصر، وتركيا، وقطر، وروسيا) لكنها منفردة وغير مجتمعة، بمعنى أن قوة الضغط اللازم للاعتراف بنتائج العملية الانتخابية تحتاج إلى بذل جهود (قد تكون مستحيلة) لجمع الدول نفسها على قبول وجهة نظر معينة لأحد الطرفين، خاصة أن القاهرة -مثلًا- لا تزال تحمل حماس مسؤولية فشل جولات حوار سابقة، ومنها الأخيرة في القاهرة بعد إسطنبول، مع استحضار الموقف السعودي الذي يحمل الحركة نفسها فشل اتفاق مكة في فبراير2007م.
لا يمكن قراءة غياب الأردن عن قائمة الضامنين أنه إيجابي؛ فهي الدولة العربية التي لديها قوة تأثير على رام الله في موضوعات متعددة، وليس أقلها الوضع في مدينة القدس، لكن موقفها كما الموقفين السعودي والإماراتي من حماس، عدم الرضا عن أي نتائج تعزز وجود حماس السياسي أو تحافظ عليه كما هو، لكنهم جميعًا لا يرغبون في عرقلة الموقف المصري الذي يرونه ضامنًا قويًّا للتحكم بالمسار ومخرجاته.
لا شك أن تركيا وقطر هما أكثر الضاغطين لإنجاز المصالحة من أجل خلق بيئة أكثر استقرارًا لتغطية سياستهم تجاه حماس والقضية الفلسطينية إجمالًا، فهما دولتان تحافظان على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية، ورغم كل محاولات تشويه الدورين القطري والتركي كانا يحملان قيمًا أخلاقية مهمة لتغطية الدعم القطري مع الرعاية التركية لقيادة حماس داخل حدودها الواسعة، جغرافيًّا وسياسيًّا.
إن نجاح مسار التفاهمات في تجاوز مبدأ التزامن الذي تخشاه حركة فتح لأسباب انتخابية صريحة متعلق بخشيتها المفاجآت التي قد تحملها الانتخابات (البرلمانية والرئاسية) كما حصل في انتخابات 25 يناير 2006م لمصلحة حركة حماس في حال عقدهما بالتزامن، إضافة إلى التدافع الداخلي في حركة فتح الذي سيظهر جليًّا بتشكيل أكثر من قائمة انتخابية ستشتت أصوات القاعدة الانتخابية الفتحاوية.
بالمناسبة تعدد القوائم حدث في انتخابات 2006م عندما شكل محمد دحلان "قائمة المستقبل" ووضع على رأسها الأسير مروان البرغوثي، ولكن تووفق وطنيًّا على تمديد مدة الترشح والانسحاب خصيصى لتجاوز هذه المعضلة لأنها شكلت خرقًا صريحًا للنظام؛ بوجود البرغوثي على رأس قائمتين (قائمة فتح وقائمة المستقبل)، ولذا تشدد فتح على فكرة القائمة المشتركة مع حماس، لتحمي نفسها داخليًّا من خطر يراه المراقبون للحالة الفتحاوية أنه في الضفة كما في غزة.
كما لا يمكن تجاهل أن رغبة رئيس السلطة "أبي مازن" في المحافظة على منصبه رئيسًا تشكل مرتكزًا أساسيًّا في رزمة التفاهمات المتوقعة بين الحركتين خلال "الحوار الوطني" الذي تؤكده حماس بعد إعلان مرسوم الانتخابات من رئيس السلطة، ولا شك أن الحوار الوطني يهدف إلى ضمان حقوق حلفاء حماس السياسيين في العمل الوطني، فمسار حماس الوطني على المستوى السياسي وكذا العسكري يؤكد أنها حريصة على ضمان تمثيل كل مكونات العمل الوطني، مهما كان حجمها الانتخابي، على قاعدة الشراكة الوطنية في مشروع المقاومة، ما لا يستثني أي جهد فردي أو جماعي، وهذا ما يمكن أن تعززه النسبية الكاملة في الانتخابات التشريعية، أي القوائم الانتخابية على مستوى الوطن.