شهدنا في الشهور الأخيرة قرارات حكومية في قطاع غزة لم تصمد أمام النقد العام لها، فاضطرت المسؤولين بين التراجع عنها أو تقديم توضيحات أو تبريرها بطريقة أظهرت صدق من قال إن السكوت من ذهب.
أذكر من هذه القرارات التي شكّلت رأيًا عامًا حولها، قضية المولدات الكهربائية، ثم منع توريد ألبان الضفة، وليس أخيرًا على ما يبدو، قرار الأوقاف بشأن احتفالات الكريسماس، ولست هنا بصدد الحكم على القرارات بل على طريقتها.
التعامل مع كل حالة بشكل منفرد يسمح بتمريرها والمراكمة على الخطأ، لكن رصدها بقصد وتتبعها وصفّها كرُزمة، يصنع لنا صورة سلبية حول عمل الحكومة، وكلام "طالع نازل" عنها، تقتضي المسؤولية أن ننبه له أو نقول بعضه.
لماذا يحدث هذا؟ نقرر ثم نستجيب للانفعالات؟ هل الخطأ قبل القرار أم بعده؟ إن كان من بين الإجابات أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت قادرة على تغيير القرارات، فإنها بالمبدأ نفسه، قادرة في يوم ما على تغيير أصحابها.
إن واحدا من احتمالات ذلك، أن لدينا مسؤولين لا يستطيعونَ تحملَ الخطأ لأن أنفسهم تحدّثهم بأنهم يجبُ ألا يخطئوا، وهذا تفكير سلبي يصنع التردد ويراكم الضعف مع مرور الوقت، ويبعث على فقدان الشجاعة أو فضح عدم امتلاكها من أساسه.
والأمر الآخر أننا نؤمن بقدرتنا على الانفراد بالقرار، دون أن تسمح مواقعنا بالاستعانة بمستشارين وباحثين ومراكز معلومات، في بيئة ومجتمع متأهب يستطيع التفريق بين الأصلي والصيني، أو أننا لم نفهم بعد المجتمع الرقمي وجمهور الألفية الثالثة، بحيث أصبح من السهولة واللا غرابة أن تخرج المراسلات الداخلية مباشرة من مكتب الوكيل إلى حائط فيسبوك.
إن أعظم قائد أوركسترا في العالم لا يستطيع أن يفعل شيئًا دون فرقة من الموسيقيين المدربين، والحال هكذا مع حكومة دون مسؤولين مدربين على التأني والتفكير لدقيقتين قبل التوقيع، وحُسن التواصل مع الجمهور بالطريقة التي تؤهلهم لاتخاذ القرارات الصحيحة، والدفاع عنها (أكررها مرتين)، ومن دونه يصبح مستساغًا العزف عليها.
إمّا ذلك وإما تنعدم لديهم روح المبادرة وتقل الدافعية ونذهب لشراء راحة البال بقلّة الاهتمام، وحينها فقط تتحمل المرجعيات السياسية المسؤولية عن هذا الخلل، الذي يؤشر إلى علّة في الجسم الحكومي المسؤول عن إدارة شؤون الناس، وهي مطالبة بالبحث عن حلول لطرده.
لا توجد مفاهيم في علم الإدارة يمكن اللجوء إليها لتشخيص هذا الخلل في واقعنا، سوى أننا أمام نموذج فاقع في التردد والضعف، وهذا التقييم لا ينقص من الجهود الكبيرة في واقع عدمي، لكنه مطلوب، ومطلوب الاستماع إليه، كي ننتبه إلى أن الوقوع في الخطأ لم يعد أسلوبًا نتعلّم منه.
إن وجود صانع قرار على قدر المسؤولية والتحدّي، ويستند إلى ترسانة صلبة من المعلومات، ومعرفة بالبيئة الرقمية ويتواجد ويمارس دوره فيها ويقرؤها جيدًا، أصبح حاجة مُلحّة بل ضرورة وطنية، ابحثوا عمن يجيد الإدارة تحت الخطر، أما من لا يطيق الحرارة فعليه مغادرة المطبخ.