يُعد قانون التغذية القسرية الذي أقرته سلطات الاحتلال الاسرائيلي عام 2012م بعد إضراب الأسرى آنذاك، مخالفة صارخة للقوانين والمواثيق الدولية والإنسانية التي تجرَّم هذا القانون، لا سيما بعد أن استخدمته الاستخبارات الأمريكية بحق المُضرِبين في سجن غوانتنامو، وأثارَ في حينه ضجةً واعتراضا شديدا من قبل المؤسسات.
وكانت سلطات الاحتلال الاسرائيلية قد لوّحت باستخدامه، الخميس الماضي، في حال استمرارِ الأسرى في إضرابهم المَفتوح عن الطعام لليوم الـــــ 22 على التوالي، لثني المضربين عن مواصلةِ إضرابهم.
يتحدث أخصائي التغذية العلاجية د. رمضان شامية أن الأشكال التي يتخذها الإضراب؛ وأولاها إضرابٌ شامل عن كل شيء وأقصاه ثلاثة أيام؛ ويعد من أصعب أنواع الإضرابات، أما الشكل الثاني فهو إضراب الماء والملح، والنوع الثالث إضراب الماء والملح مع تناول مدعماتٍ غذائية.
وأوضح شامية لـ"فلسطين" أن الانسان الطبيعي يحتاج 2000 سعرة حرارية يومياً، ولكن هذه السعرات مع الإضراب تنعدم تقريباً، فيما سيُحرق مخزون السكر في الدم، حيث إن المعدل الطبيعي له تتراوح نسبته ما بين 70 إلى 110.
الماء والملح
ولفت إلى أن الماء والملح ليست مصادر للطاقة، إنما مصادر مساعدة على الابقاء على الحياة، وتنقل الدم، وتبادل الأملاح، وإخراج البول والعرق.
وذكر شامية أنه بعد ثلاث ساعات من الإضراب عن الطعام؛ يبدأ الجسم في الغذاء على السكر في الدم، ثم "غلايكوجين" الموجود في الكبد، ومن ثم يتغذى من اللحم الموجود في العضلات حتى يهيئ الدهن الموجود فيه أن الجسم يعاني من نقص في الطاقة، وهذا يحدث في الثلاثة أيام الأولى من الإضراب.
وأشار إلى أنه مع مواصلة الأسير إضرابه يبدأ البروتين والأحماض الأمينية في جسمه تتكسر لتعطي طاقة، ومن ثم تأخذ الدهون الثلاثية مع "جلسلور" (شبيه بالسكر) بالتحول إلى جلوكوز بنسبة قليلة يغذي المخ.
وقال أخصائي التغذية العلاجية: "خلال الأسبوع الأول للإضراب تبدأ الأحماض الدهنية طويلة السلسلة الموجودة في النسيج الدهني تحت الجلد وحول الكلى والقلب بالتحول بمساعدة البروتين الذي يتم أخذه من العضلات ليتحول إلى أسيتون يغذي الخلية العصبية وهنا خطورته تزداد".
وذكر أنه بعد الأسبوع الأول تظهر أعراض الغيبوبة، كما أن العضلات تضم، وتقل ضربات القلب، بالإضافة إلى زيادة الشهية، وقدرته على الشم تزداد؛ ويصبح خائر القوى لا يقوى على الحركة، ناهيك عن الغشاوة.
ونبه شامية أن الأسرى يتناولون الملح؛ لأن الأمعاء بداخلها بكتيريا وفطريات طبيعية وإذا قلت الحموضة تنشط، وما يمنع نشاطها الملح الذي تتراوح نسبته جرام ونصف إلى جرامين، والماء بمعدل لترٍ ونصف اللتر، وهي تساعد الجسم على التخلص من الفضلات من خلال البول والعرق.
ولفت إلى أنه بعد الأسبوع الثالث من الإضراب تصبح رائحة جسم الأسير المضرب منفرة جداً، وشهيته تغدو منعدمة، ويصبح عصبيا ومتوترا باستمرار، ويزداد لديه العناد والاستمرار في الإضراب.
وفي سياق آخر بين أخصائي التغذية العلاجية أن التغذية القسرية محرمة دولياً من ناحية الأطباء، وإعطاء غذاء عن طريق الأنف مرفوض من الناحية الطبية في حالة المضرب المستمر عن الطعام، وهذا يعد اعداماً للمضرب.
وأوضح أن التغذية القسرية تقوم على إدخال أنبوب من أنف المريض بعد تثبيت رأسه وتكبيل يديه وقدميه، ويصل هذا الأنبوب إلى معدته لتغذيته بغذاء مهروس قليل الدسم وقليل السكر، إذ تصيب المعدة بتقرحات وتهتكات في المعدة.
ولفت شامية إلى أن التغذية القسرية حرمت في مؤتمر مالطا عام 2006، واعتبرت الطبيب الذي يقوم بذلك خارجا عن القانون ويقدم للمحاكمة.
من جهته حذر الناشط في شؤون الأسرى فؤاد الخفش من خطورة تطبيق قانون التغذية القسرية على الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام، مما قد يسفر عنه استشهاد الأسرى، كما حدث في عامي 1970 و1980 باستشهاد ثلاثة أسرى نتيجة استخدام هذا الأسلوب من قبل إدارة سجون الاحتلال؛ وهم عبد القادر أبو الفحم، وراسم حلاوة وعلي الجعفري.
منافي للقانون الدولي
وأشار الخفش لـ"فلسطين" إلى أن الاستخبارات الأمريكية استخدمت هذا الأسلوب مع المعتقلين المضربين في سجن غوانتنامو، وأثير في حينه ضجة واعتراض شديد من قبل المؤسسات الحقوقية على اعتبار أنه ينافى مبادئ قواعد القانون الدولي الإنساني.
وبين أن التغذية القسرية تقوم على إدخال "أنبوب" في معدة الأسير عبر الأنف، بشكلٍ عنيف وضد رغبة الأسير، مما يعرض حياته للخطر الشديد، ويؤدى إلى اختناقه أو حدوث نزيف حاد يؤدى إلى الوفاة، بحجه إنقاذ الأسير من الموت نتيجة الامتناع عن الطعام.
وأكد الخفش أن القانون الدولي يكفل للأسير حق الخصوصية وحرية التحكم في جسده؛ والإضراب عن الطعام، في حال تعرضت حقوقه للانتهاك، وأن إطعام الأسير بالقوة هو مخالفة واضحة لهذه الخصوصية، وبالتالي فهي تتعارض مع المواثيق الدولية.
وشدد على أن القانون الدولي يرى التغذية القسرية بأنه شكل من أشكال التعذيب الجسدي الممنوع، لافتا أن الاحتلال يلوح بهذا القانون منذ العام 2012 بعد الإضراب الذي خاضه الأسرى آنذاك.
ودعا الخفش المؤسسات والمنظمات الحقوقية المحلية، والتي لها علاقة بمنظمة الصحية العالمية، إلى فضح الاحتلال وأن ما يقوم به هو منافٍ للمواثيق الدولية وهو يحاول تجاوزها.
وشدد على أن تلويح الاحتلال باستخدام التغذية القسرية، سيعزز صمود الأسرى والمعتقلين والاستمرار في اضرابهم.