الخلط الواضح بين اليهودية كدين والصهيونية كاحتلال مبني على السذاجة أحياناً وعلى المكر الخبيث أحياناً أخرى! وهل تفاجأ الملك المغربي بأن عدد اليهود الذين هاجروا من بلاده إلى فلسطين خلال العقود الماضية كمحتلين، قد تكاثروا فأصبح عددهم مليون يهودي "إسرائيلي"؟ هل هذا العدد الذي يصل عند البعض إلى نحو مليونَيْ يهودي من أصل مغربي، ضمن خطط المغرب للتأثير على القرارات الإسرائيلية لصالح القضية الفلسطينية؟ خاصة أن بعضهم وزراء وأعضاء كنيست وجنرالات في الجيش الذي ارتكب سلسلة من المجازر ضد العرب والفلسطينيين، وهو نفسه الجيش الذي يحمي إرهاب المستوطنين في الضفة ويرتكب المجازر في غزة؟!
علاقة المغرب بالعدو الإسرائيلي لم تبدأ بالتطبيع، وهؤلاء جميعاً جاؤوا ضمن خطة الاستيطان الصهيوني لأرض فلسطين وكمحتلين للأرض العربية على حساب الشعب الفلسطيني، الذي يرى أن حماية اليهود من بطش الصليبيين في القرون الوسطى واحتضانهم في الدول العربية والإسلامية؛ يمثلان واجباً إنسانياً ما كان يحق لليهود -والمغاربة منهم- أن يخونوا قروناً من الحماية لهم، ثم يشاركوا في احتلال فلسطين والاستيطان فيها.
معلوم أن حكومة نتنياهو الحالية تحتوي 10 وزراء من أصل مغربي بالإضافة إلى رئيس الكنيست، وهي حكومة يمينية متطرفة. فهل هؤلاء يستمدون عنصريتهم من زياراتهم لـ 500 مقام يهودي في المغرب؟ أم هؤلاء ما زالوا يدينوا بالولاء لأصولهم المغربية العربية!؟
الوزيران الإسرائيليان الأكثر تطرفاً ضد المسجد الأقصى والحقوق الفلسطينية والإسلامية في القدس هما من أصول مغربية؛ وزير الداخلية "آرييه درعي" ووزير الأمن الداخلي أمير أوحانا، وهما المسؤولان عن كل السياسات العنصرية ضد الوجود العربي في القدس، وتنفيذ السياسات التهويدية في المدينة المقدسة بالإضافة إلى تاريخهم السيئ ضد المعتقلين الفلسطينيين ومصادرة الأراضي.
صحيح أن الإعلان عن تطبيع المغرب لعلاقتها مع العدو الإسرائيلي يجعلها رابع دولة عربية تطبع علاقتها مع "إسرائيل" بعد الإمارات والبحرين والسودان، وسادس دولة عربية مع مصر والأردن، إلاّ أن ذلك لا يعني أن علاقات الأسرة المالكة مع الاحتلال الإسرائيلي جديدة، فعلى خلاف كل الدول المطبعة لم يكن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العاشر من ديسمبر 2020 مفاجئاً. فقد سارعت العديد من وسائل الإعلام الغربية (مثل نيويورك تايمز الأمريكية ومن قبلها مونت كارلو الفرنسية) والإسرائيلية (إسرائيل بالعربية) إلى استحضار تاريخ طويل من العلاقات الإسرائيلية بالأسرة المغربية المالكة منذ عهد الحسن الثاني قبل ستة عقود بالإضافة إلى مسح أسماء قيادات إسرائيلية متنفذة من أصول مغربية منهم حاليين وسابقين مثل "دافيد ليفي" وزير خارجية ونائب رئيس سابق و"عمير بيرتس” وزير الجيش ونائب رئيس الوزراء وزعيم حزب العمل سابقاً.
كثيرة هي مجالات التعاون الأمني والاستخباري بين المغرب و"إسرائيل"، تشتمل على تهم بالتنصت على قمم عربية والمساعدة في اعتقال واغتيال معارضين عرب بدعم من الموساد الإسرائيلي. ومن ذلك مساعدة الموساد للمغرب في اختطاف المعارض المغربي المهدي بن بركة من باريس عام 1965م، في مقابل سماح الملك الحسن الثاني لليهود المغاربة بالهجرة إلى "إسرائيل". بالإضافة إلى اعتبار المغرب راعية نقاشات التطبيع الأول بين "إسرائيل" ومصر قبل تطبيع اتفاقية كامب ديفيد في نهاية سبعينيات القرن الماضي.
أضف إلى ذلك الزيارات القديمة لمسؤولين إسرائيليين للمغرب مثل زيارة رئيس الوزراء شمعون بيرتس عام 1986م ووزير الخارجية سيلفان شالوم عام 2003م، وهي لقاءات مع ملك المغرب السابق والحالي، ولعل إصدار "إسرائيل" طابعاً بريدياً يحمل صورة الملك الحسن الثاني عام 1999م وتقديمه هدية لولده الملك الحالي محمد السادس، يعكس طبيعة العلاقة القديمة والمقربة بين الأسرة المغربية المالكة و"إسرائيل"، والشعور الصهيوني بقيمة الخدمات التي تم تقديمها لهم عبر عقود الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
من المؤسف أن تكون كل تلك المواقف المخزية وطنياً والخيانية قومياً، من دولة تعتبر رئيسة لجنة القدس التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي منذ عام 1975م، والتي تعتبر العاصمة الرباط مقراً لها، وهي التي تدير "بيت مال القدس الشريف" الذي يفترض أنه مخصص لدعم مدينة القدس اقتصادياً واجتماعياً ودينياً!
وبالنظر إلى نتائج المؤشر العربي لعام 2020 التي رصدت بأن المغرب هي الأقل شعوراً بتهديد "إسرائيل” فيما كانت "دول الجوار" الأكثر تهديداً لها، بخلاف الدول العربية المستطلعة آراؤهم؛ فإن الفجوة الكبيرة التي يخلقها التطبيع تحتاج إلى جهود كبيرة تتجاوز الخطابات وعبارات الشجب. المطلوب هو فعل فلسطيني ميداني مقاوم يذكر الشعوب دائماً بخطر العدو، ويظهر سوأته العنصرية التي تحاول دبلوماسيته الكاذبة تغطيتها أمام قيادات عربية، مستعدة للتحالف مع كل الشياطين مقابل بقائها على كراسيها.
حيوية المقاومة هي الوحيدة القادرة على استنهاض الشعوب أمام الخطر الصهيوني القادم إليهم عبر التطبيع، وهي التي يمكنها أن تكبح جماح الحكومات أمام حالة التعاطف والتأييد للحقوق العربية والفلسطينية التي تغتصبها "إسرائيل". وانتفاضة الأقصى عام 2000م كانت كفيلة بدفع المغرب لإغلاق مكاتب التمثيل المتبادلة بين المغرب و"إسرائيل" التي افتتحت عام 1994م.