فلسطين أون لاين

هل يدمر الحب شخصية الطفل؟

"كثيرون ممن يظنون أنهم يقدمون لنا المساعدة يمكنهم أن يؤذونا عن غير قصد، وقد يدمروننا أيضًا بحسن نية" أبقوا هذه المقولة في أذهانكم وأنتم تقرؤون هذا المقال.

تربية الأطفال مهارة صعبة، لا يتقنها كثيرون، ويفشلون في جوانب لا تُحصى منها، ويقف الآباء حائرين بين حب الطفل وتدليله، تثور داخلهم مخاوف وتساؤلات، فكيف نتجنب تدليل الطفل وفي الوقت ذاته نغدق عليه بالحب والحنان دون أن نتسبب له بالأذى؟، وهل هناك حبٌّ دون تدليل؟

عندما تترك الحبل على الغارب لطفلك ليتصرف على هواه، فلا تحاسبه على أخطائه ولا تتركه يتحمل نتائجها، بل تهرع لحملها عنه، وتزيل كل عقبة تعترض طريقه مهما كانت: فإذا ضايقه شخص في المدرسة، سارعت إلى وضع حد له، وإذا أزعجه أحد في الشارع، طلبت منه البقاء في البيت واللعب أمام الشاشات التي يتحكم بها وتوفرها له بطيب خاطر، تزيل الأشواك من طريقه حتى لا تؤذيه، وتفرش له الأرض تحت قدميه سجادًا دافئًا سميكًا يحميه في حال سقط أرضًا، ويمنع عنه البرد وقسوة الطريق، وإذا احتاج لشيء في البيت سارعت إلى عمله له، فأنت تحبه وهو شخصك المفضل، ألا يحق ذلك له ولك؟

بلى يحق لكما، ولكن كن على يقين أنك بذلك تؤذيه وتدمر شخصيته وتخرج للعالم الخارجي إنسانًا هشًّا ضعيفًا اتكاليًّا، لا يمكنه الاعتماد على نفسه بدءًا من أبسط الأمور إلى أشدها تعقيدًا، فهو لا يستطيع تحمل عقبات الدنيا ومصاعبها ولا يمكنه التعامل معها وابتكار الحلول المناسبة لها، وجميعنا نعلم تمامًا أن الدنيا قاسية، صعبة، لا ترأف بأحد، ومن فيها ليسوا على استعداد لأن يكلفوا أنفسهم عناء المحافظة على مشاعر أحد والأخذ بالحسبان كيف سيكون تأثير سلوكهم على غيرهم ممن لا علاقة لهم بمصالحهم، لذا عليك أن تختار، فإما أن تُخرج للدنيا طفلًا قويًّا بما يكفي ليواجه قسوتها ويتحمل معاناتها ويكمل طريقه فيها قويًّا صامدًا متماسكًا، وإما أن تُخرج طفلًا هشًّا ينكسر ويتشظى مع أولى السقطات والانزلاقات العنيفة التي تزخر بها حياة البشر، وتكون قد حكمت عليه مسبقًا بالأمراض النفسية، أو الجنوح إلى إيذاء النفس، فتكون نهايته في مشفى الأمراض العقلية أو الانتحار.

ودعنا الآن نتحدث عن البديل الآخر وهو الحب، الحب السليم للطفل، إغراقه بالحب والحنان والتقبيل والعناق وإشعاره بالدفء، وفي الوقت ذاته تركه يتعلم مهارات الحياة، ويتعامل مع مشكلاتها بنفسه، لا ضير إن قدمت له نصائح وتوجيهات تعينه، ولكن لا تحل له مشاكله، ولا تزيل له العقبات، دعه يجرب بنفسه، دعه يفشل وينجح، ونحن نعلم أن الفشل يُعلم الإنسان مثل النجاح تمامًا، فتجربة المشاعر السيئة والألم ليست شيئًا بغيضًا، أبدًا؛ فكيف له أن يشعر بلذة السعادة إذا لم يسبقها شعور بالتعب والألم؟!، وكيف له أن يشعر بقيمة ما يملك إذا لم يعانِ شعور الحرمان؟!

لا أقترح أن نحرم أبناءنا ونقسوا عليهم ونسبب لهم الألم، ولكن أن نعطيهم بقدر، حتى يصبح لما نعطيه قيمة في نفس الطفل، إذا مدحته على كل ما يقوم به، مهما كان بسيطًا، فهل تظن أن المديح والتشجيع سيبقيان محتفظين بقيمتهما؟، عن نفسي أقول: لا أظن ذلك.

قالوا:

ومن أخذ البلاد بغير حرب *** هان عليه تسليم البلاد

فكم من أب ترك لأبنائه ثروة كبيرة ونفوذًا، ولكن الأبناء بددوا ذلك بلامبالاة كبيرة!، لماذا يا تُرى؟، لأنهم لم يشعروا بقيمة ما بين أيديهم، كثير من الآباء يوفرون لأبنائهم كل ما يستطيعون، ولكن الأبناء يحسدون أصدقاءهم لأنهم يمتلكون شيئًا بسيطًا يفتقدونه هم، وهنا تكمن الكارثة، فهذا الطفل لن يشعر بالرضا مهما قدمت له، بل على العكس تمامًا، سيحاصره الشعور بالنقص والحرمان طوال الوقت، لأن السعادة الحقيقية في الرضا، وليست في توفير كل ما تستطيع من ماديات لهم.

قدِّم له الحب والحنان، والماديات الضرورية دون أن تبالغ في إرهاق نفسك كثيرًا، واتركه يجرب الحياة بطريقته الخاصة، أصغِ إليه، وناقشه فيما استطاع أن يتعلمه من تجاربه الخاصة، صوِّب مفاهيمه وعلمه أن ينظر من زوايا مختلفة للصورة الواحدة لتكتمل الصورة في ذهنه.

ولنتذكر أننا لا ندوم لأبنائنا، سيضطرون في وقت آتٍ لا محالة أن يواجهوا الحياة وحدهم، فهل تحب لهم أن ينجحوا في ذلك؟