بات الهمّ الأكبر لأنصار أوسلو عقد مؤتمر دولي للسلام برعاية أممية دون استفراد للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية عادت 30 عاما إلى الخلف حيث مؤتمر مدريد" للسلام"، وإن نجحت منظمة التحرير الفلسطينية في تنظيم المؤتمر الدولي المنشود سيُضاف إلى قائمة "الانتصارات العظيمة" التي حققتها، التي وصلت من خلالها القضية الفلسطينية سياسيا إلى الحضيض.
الموقف الفلسطيني أيام مؤتمر مدريد كان أفضل بكثير مما هو عليه اليوم في امور كثيرة، ومنها أن التضامن العربي الرسمي كان مع القضية الفلسطينية في العلن وهو في الحقيقة مع الاحتلال، والآن أصبح تضامن غالبية الأنظمة العربية مع الاحتلال علنًا وبعضهم أعلن عداءه للفلسطينيين، وكانت الضفة الغربية شبه خالية من الكتل الاستيطانية الكبيرة ومن المستوطنين، ومنذ مؤتمر مدريد تضاعفت المستوطنات وعدد المستوطنين أضعافا كثيرة، أما المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية فقد تراجعت لأسباب معروفة، فضلا عن التشويه والتهويد الذي استهدف القدس والأماكن المقدسة، إلى جانب تغييرات كبيرة في مجالات متعددة لا مجال لذكرها الآن.
ما ذكرته سيؤخذ بعين الاعتبار في أي مؤتمر قادم، وهذا يعني أن المنظمة ستذهب خائرة القوى دون أي ورقة ضغط من اجل تحقيق انجازات. فرنسا وألمانيا وباقي الدول الأجنبية لن تكون أقرب وأرحم على الفلسطينيين من الإمارات والبحرين وباقي دول التطبيع التي خانت الفلسطينيين وقضيتهم.
منظمة التحرير الفلسطينية تدرك تماما انها لن تستطيع تغييب أو تهميش الولايات المتحدة الأمريكية عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن يدعي غير ذلك لا يخدع الا نفسه، والحقيقة أن الحديث عن مؤتمر آخر للسلام هو محاولة للبحث عن قصة جديدة لتمضية الوقت، فإذا كان البعض يؤمن أن الحياة مفاوضات فهناك من يعتنق مبدأ المفاوضات حياة، ولن يكون له حياة ولا مكاسب شخصية ولا مكانة سياسية اذا توقفت المفاوضات والمسار السياسي العبثي.
الأمر الجيد ان كل ما ذكر آنفا لا يمثل كل الحالة الفلسطينية ولا يمثل الصورة كاملة وإنما يمثل الجزء البسيط منها والجانب الضعيف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فالغالبية الفلسطينية لا تؤمن بالمسار السياسي المنبثق عن اتفاقية أوسلو ولا تعول عليه في إنهاء الصراع مع المحتل الإسرائيلي، وأصبح لدى الشعب الفلسطيني مقاومة حقيقية أثبتت نفسها في حروب عديدة ولديها برنامج سياسي أساسه القوة والتعامل بندية مع المحتل، ما يجعلها طرفا أساسيا لا يمكن تجاوزه عند البحث عن حل مرحلي لإنهاء الاحتلال.