فلسطين أون لاين

الثمانينية "العرجاني" تنسج التراث بقرني غزال

...
تصوير ياسر فتحي
غزة/ هدى الدلو:

ترتدي ثوبها المطرز الذي ورثته عن والدتها، وتسدل البرقع المزين بالقطع المعدنية الذهبية والفضية على وجهها، وتخرج قرني الغزال من مخبئهما، فهما كنزها الذي وصل إليها من أجدادها القدامى، وتحمل بيديها المجعدتين ما تحتاج له من أدوات ومعدات لتخرج تجلس تحت شجرة خضراء تبعث في نفسها الحيوية والنشاط مع أشعة الشمس الدافئة.

الثمانينية أم سليمان العرجاني من مواليد مدينة بئر السبع، هي تحمل في تجاعيد وجهها تراث فلسطين الذي ورثته عن أجدادها، لتورثه لأحفادها من بعدها ليحتفظوا به؛ فهو الماضي والحاضر والمستقبل.

تلك المدينة ولدت فيها، وسكن أجدادها وآباؤها في بيوت الشعر لتشبثها بعادات وتقاليد المدينة، حتى هجرتهم منها العصابات الصهيونية.

تقول لصحيفة فلسطين: "لم يتنازل أحد من الأجداد عن عاداته، فورثناها عنهم أبًا عن جد، فجدتي وأمي كانتا تغزلان وتنسجان الصوف؛ فهي صنعتهم التي امتهنوها لكونهم كانوا يعيشون في بيوت الشعر".

بين خيوط الصوف الملونة تجلس أم سليمان متربعة تختار ما يناسب القطعة التي تنسجها، وتثبت بيديها المرتعشتين طرفي العصا الخشبية فوق حجرين وتشد أوتاد الخيوط على آلة النول، وتبدأ نسج الخيوط وغزلها بقرني الغزال لتصنع منها أبسطة الصوف.

تتابع أم سليمان حديثها: "يمّا صناعة هودج تحتاج لوقت طويل قد يصل إلى ثلاثة أسابيع، ويحتاج إلى تعب، ولكن هذا التعب يهون في سبيل الاحتفاظ بحرفة تذكرني بحياة البدو وأجدادي القدامى".

وتشير إلى أنها تحتفظ بهذين القرنين من أجدادها منذ 100 عام، وفي معرض ردها على سؤال صحيفة "فلسطين" بشأن قصة قرني الغزال، سبق حديثها تنهيدة: "توارثت هذين القرنين من الأجداد جيلًا تلو الآخر، وعندما هجرنا من المدينة كانا الشيء الوحيد الذي حملته معي، واحتفظت به، وأعتمد عليه في صناعة المنتجات التراثية".

وتصنع العديد من المشغولات، منها عصي فرق الدبكة، وخرج الخيل، وزينة بيوت الشعر، وسيارات الأفراح، وأواني حناء العروس، وسلال الحلوى ... وغيرها، وكل قطعة من هذه القطع تستغرق منها وقتًا طويلًا، لكونها تعتمد على الصناعة اليدوية.

وتواجه في بعض الأحيان شح المواد الخام المستخدمة، فتضطر إلى إرسال أبنائها لمناطق متفرقة من القطاع، للبحث عن احتياجاتها من الخيوط والصوف والإبر وأدوات خشبية وغيرها.

وتقضي في هذه الهواية أغلب ساعات يومها لكونها أيضًا مهنة تعتاش منها وعائلتها، تضيف أم سليمان بلهجتها البدوية: "أدوات هذه المشغولات بسيطة، ولكنها تحتاج إلى جهد وتعب وساعات طويلة لأنجز المطلوب، ولكن هذا التعب يهون من أجل خاطر جدتي وأمي لكوني أحمل مهنتهما من بعدهما".

وفي أغلب الأحيان تعمد إلى مزج العديد من الألوان لتمثل بها علم فلسطين، وفي أثناء نسجها يلتف أبناؤها حولها ليتعلموا الصنعة التي تحترفها يداها، ومرات أخرى تقطع غزلها لتنادي عليهم ليحضروا درسًا عمليًّا جديدًا في الغزل والنسج.

وتوجه أم سليمان رسالة للجيل الجديد وأحفادها من قبلهم أنْ احتفظوا بتراثكم واعتزوا به، رغم ضعف الإقبال عليه، مع انتشار الأدوات الحديثة؛ فهذه الحرفة البدوية تعبر عن عمق الارتباط بين التراث الفلسطيني القديم والجديد.