صدِئت الأبواب وهجرت بعض الأقسام وهدمت وبنيت سجون جديدة، وما زال الأسير نائل البرغوثي، صامدًا خلف قضبان الاحتلال الإسرائيلي مؤمنًا بعدالة قضيته ويسعى جاهدًا إلى لمّ شمل الأسرى رغم محاولات الاحتلال الرامية إلى تفريقهم وزرع الفتنة في صفوفهم.
وشكَّل البرغوثي، الذي بات أقدم أسير في العالم أيقونة نضالية متقدمة، ولعب دورا فاعلا في البنيان الأساسي للحركة الوطنية الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهو حريص على لم الأسرى وتوحيدهم، وبث الحماسة في صفوفهم، ومواجهة إجراءات إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي الرامية للنيل منهم، وفق محررين.
وأسرت قوات الاحتلال الإسرائيلي في أبريل/نيسان 1978 البرغوثي من منزله في قرية كوبر شمال غرب رام الله بالضفة الغربية، وهو بعمر 19 عامًا، وفي 18 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2011، أفرج عنه ضمن صفقة "وفاء الأحرار" ثم أعيد أسره في 2014.
"الأسير البرغوثي شكل أيقونة نضالية متقدمة ولعب دورًا فاعلاً في البنيان الأساسي للحركة الوطنية الأسيرة بسجون الاحتلال الإسرائيلي"، الحديث هنا للأسير المحرر مصطفى مسلماني.
في حديث مع صحيفة "فلسطين"، يؤكد مسلماني الذي قضى 20 سنة في سجون الاحتلال، أن البرغوثي حرص على تجميع الأسرى وتحقيق الوحدة الوطنية وتماسك الأسرى خلف القضبان؛ لمجابهة كل المشاريع الرامية للنيل من صمودهم.
وعايش البرغوثي طوال فترة أسره كل مراحل الحركة الأسيرة، وفق مسلماني، الذي يشير إلى حرص الأسير البرغوثي على تحقيق وحدة وتماسك الحركة الأسيرة؛ "لأنها السلاح الوحيد والأقوى لمجابهة الاحتلال".
ويضيف أن البرغوثي عمل طوال فترة اعتقاله على تجميع الأسرى وجعل التناقضات الرئيسة ثانوية في داخل بنية الحركة الوطنية الأسيرة، ما جعلها موحدة وتخوض خطواتها الاحتجاجية بقوة.
ويبين أن الأسير نائل واجه محاولات تمزيق الحركة الأسيرة بتوطيد العلاقة بين الأسرى وخوض خطوات احتجاجية وحدوية ضد محاولات إدارة السجون التفرد بالأسرى.
وحاول البرغوثي جاهدًا –يتابع مسلماني- ترسيخ مبدأ استنزاف الاحتلال بتحميله كامل المسؤولية عن زج الأسرى في سجونه.
ويردف: "إن الأسير البرغوثي قاطع كانتينا السجن، لأنها مشروع استثماري يستنزف الاحتلال من خلاله الأسرى ماليًا ويحاول جعلهم عبء على مجتمعهم وأسرهم، وكان يرفض إدخال أي قطعة ملابس من أهله، وكان يطالب الاحتلال بتوفير كل احتياجاته".
"حالة إجماع"
كذلك الأسير المحرر علام الكعبي يقول إن الأسير البرغوثي شكل حالة إجماع وطني داخل سجون الاحتلال؛ لارتكازه على تضحياته ونضالاته ولحبه أبناء شعبه وقضيته الفلسطينية.
ويؤكد الكعبي، الذي أمضى 14 عامًا ونصف في سجون الاحتلال لصحيفة "فلسطين" أن توجهات البرغوثي داخل الأسر كانت بعيدة عن الحزبية، وهادفة لتعزيز صمود الأسرى وتحريضهم على مواجهة الظلم الذي تمارسه إدارة السجون بحقهم.
ويبين الكعبي، أن الأسير البرغوثي يتعامل مع الأسرى كأبناء له فكان بمنزلة الأب لهم ويوعيهم ويساندهم ويقف إلى جانبهم للحفاظ على وحدتهم وقضيتهم العادلة ضد إجراءات السجان الرامية للنيل منهم.
ويضيف: "شكل البرغوثي مدرسة من الوفاء والاحتضان لكل من عايشه انطلاقًا من محبته لأبناء شعبه ووعيه بما تتعرض له القضية الفلسطينية على يد سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومخططاتها الرامية للنيل من صمود وعزيمة الأسرى".
ويذكر أن الأسير البرغوثي، صنع العديد من المواقف الراسخة بين الأسرى فكان مدرسة للحركة الأسيرة على ما قدمه من تضحيات داخل وخارج السجون فتحرره في صفقة "وفاء الأحرار" وإعادة أسره أكد خلالها حرصه الشديد على حبه وتشبثه بوطنه وثوابت شعبنا الفلسطيني.
وتجربة البرغوثي يجب أن تدرس –كما يقول الكعبي- ويطلع الكل الفلسطيني وأحرار وشرفاء العالم عليها وعلى معاناته داخل الأسر؛ فهو أقدم أسير سياسي في العالم وقدم الكثير للأسرى وللقضية وللشعب الفلسطيني.
المحرر رامي عزارة من جهته يقول: "إن الأسير البرغوثي شكل البوصلة نحو الوحدة الوطنية والقدس وإعادة اللحمة الوطنية لنصابها الصحيح وإنهاء أي حالة تشرذم".
ويضيف المحرر عزارة لصحيفة "فلسطين": "إن الأسير البرغوثي، متواضع بين رفاقه الأسرى ومعلمهم في التصدي لعنجهية السجان وإجراءاته الرامية للنيل من صمودهم وعزيمتهم".
ويؤكد عزارة الذي قضى ثماني سنوات ونصف في سجون الاحتلال، أن البرغوثي كان حريصًا على تحقيق وزرع الوحدة الوطنية بين الأسرى، ويسعى جاهدًا لإفشال مخططات الاحتلال الرامية لاستغلال الانقسام وزرع الفتنة والبغضاء بين صفوف الأسرى.
ويؤكد أن الأسير البرغوثي محل إجماع من قبل الأسرى "فكان المعلم لهم ومن يوجههم نحو الطريق الصحيح ومن يكشف مخططات الاحتلال"، داعيًا الكل الوطني للوقوف إلى جانب الأسرى وعلى رأسهم البرغوثي، والعمل على إطلاق سراحهم.
ودخل البرغوثي السنة الـ41 في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وقبل سنوات كتب الشاعر الراحل سميح القاسم عن الأسير نائل البرغوثي: "أنا أخجل من حريتي أمام أسرك العظيم، وعلى كل فلسطيني وعربي وإنسان حر أن يخجل حقيقةً، وفي كل لحظة أمام هؤلاء الأبطال".