فلسطين أون لاين

هل تعلَّم حمود؟

الجوال يتنقل من يد إلى أخرى والجميع يسابق الزمن قبل أن تنقطع الكهرباء أو تنتهي حزمة الإنترنت، هذا يريد أن يستمع إلى الدرس، وذاك يريد أن يحل الامتحان قبل انتهاء الوقت، وذلك يأخذ الجوال بحجة الدراسة لتكتشف أنه يفتح اليوتيوب لمشاهدة قنوات الأصدقاء والألعاب، فيعلو الصراخ والتهديد والوعيد لتأخذ الأم الجوال من جديد لتكمل درس حمود في الصف الأول الابتدائي وتستمع باهتمام للدرس وتعليمات المعلمة لتقوم بالحل المطلوب وحمود يلعب، ثم تلتفت إليه لتجري المطلوب من الدرس على لسان حمود بجميع المغريات المادية والمعنوية، فحمود فهم اللعبة جيدًا وأصبح يستغل هذه الفرصة أسوأ استغلال فالأم يهمها أن ترسل الفيديو المطلوب لحمود ليكون الأول بين أقرانه، وحمود يهمه المغريات التي يحصل عليها بعد كل تلقين، والأم في صراع مع الوقت من ناحية وحمود وإخوته من ناحية ثانية ومتطلبات البيت من طعام ونظافة وغسيل وخلافه من ناحية ثالثة، وبعد هذه المعركة ترسل الأم الفيديو للمعلمة لتتنفس الصعداء، وينتهي هذا اليوم ليعود المشهد بشراسة أكبر في اليوم التالي، فلا حمود تعلم أو استفاد سوى المغريات والحوافز ولا الأم ارتاحت.

ما صورته في مقدمة هذا المقال هو مشهد يومي تعيشه بيوتنا مع التعليم الإلكتروني الذي فرض نفسه علينا في ظل جائحة كورونا، ابتداء من الجامعات والكليات وصولًا إلى المدارس ورياض الأطفال، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو ما نسبة مخرجات التعليم الإلكتروني مقارنة بالتعليم الوجاهي؟ وهل يمكن أن يحل التعليم الإلكتروني محل التعليم الوجاهي؟

جميع الدراسات أثبتت أن التعليم الإلكتروني لا يمكن له أن يكون بديلًا عن التعليم الوجاهي، لأن مخرجات التعليم الإلكتروني بكل بساطة تبدأ من عشرين في المئة ولا تتجاوز الخمسين في المئة من نسبة مخرجات التعليم الوجاهي حسب تلك الدراسات وحسب الخبرة والواقع.

فمعظم الدروس بحاجة إلى المحاكاة العملية ومشاهدة المدرس عيانًا، عدا عن رجع الصدى والتغذية الراجعة المفقودة في التعليم الإلكتروني والتي تتيح للطالب السؤال والاستفسار حول الدروس وإبداء الملاحظات على ما يرى أو يسمع، والمعايشة مع الأقران والمدرسين داخل المدرسة التي تبني الشخصية من ناحية أخرى.

من هنا نقول يجب ألا يطول ما يحدث هذه الأيام من موضة التعليم الإلكتروني ولا يمكن لنا أن نوطن أنفسنا على استمرار ذلك مدة أطول لما سيعانيه هذا الجيل من جهل مدقع لا سمح الله وسيحصد نتائجه المريرة بعد سنوات.

فالمطلوب أن نعد الخطط للمدارس والجامعات لعودة الطلبة إليها مع المحافظة على صحتهم وأخذ إجراءات السلامة والوقاية حتى ننتصر على هذا الوباء، ونحافظ على المرتبة الأولى بين الشعوب العربية الأكثر تعليمًا.