بعد أن عاد عباس إلى تل أبيب وإلى البيت الأبيض بالتنسيق الأمني لجأت حاشيته إلى الإعلام لتعلن تأكيدها الذي لا يتزعزع في مواصلة العمل للمصالحة. الذين تابعوا تصريحات الرجوب والشيخ وغيرهما قالوا السلطة تكذب كما تتنفس، هي لا تريد المصالحة، ولا تعمل لها، وهي تدير ملفها بشكل يمنع الشعب من إدانتها وتحميلها مسؤولية استمرار الانقسام.
إذا كان الرجوب صادقًا فيما قاله على فضائية الميادين حول المصالحة وحول موقف حماس منها، فهو إذًا واقع تحت خداع محمود عباس، لأمر في نفس عباس قضاه، وهو في الوقت نفسه لا يستطيع مفارقته ومفارقة منصبه، لأن بقاءه فيه يعني استبقاء الطريق الذي ربما يوصله إلى منصب الرئيس حين يقول القدر كلمته، أو إلى منصب عريقات قبل قول القدر كلمته.
وتحليل كلام الرجوب وغيره يشير أيضًا إلى ما يسميه المراقبون بالصراع على كرسي السلطة، لذا لا طرف يريد أن يقع في الخسارة قبل وقوع القدر المنتظر، لذا هم جميعهم يمدون يد الطاعة له، ويبررون له خطواته حتى وإن كانوا على غير قناعة بما يقولون، ولكن الغايات البراقة اللامعة تمنعهم من نصيحة عباس أو مخالفته بنقد سلوكه السياسي في ملف المصالحة.
من لديهم فرص للوصول لكرسي صائب عريقات، أو لكرسي عباس نفسه، لا يستطيعون مناهضة عباس في ملف التنسيق الأمني، وكيف لهم أن يعارضوه وجلهم كانوا من أبطال هذا الملف، الذي تناوب عليه أكثرهم، وكان هو سبب تريشهم الفاحش، الذي لا يحقق ربعه الراتب الشهري ولو كان الراتب بمقدار راتب الرئيس نفسه.
لا مصالحة، ولا رفع للعقوبات، ولا مغادرة للتنسيق الأمني، ولا مغادرة للمناورة على الشعب، وعلى الأمناء العامين للفصائل الذي انعقد مؤخرًا في بيروت ورام الله من خلال الفيديو كونفرنس، وكان عباس فيه فارس الكلمة، وكان الحضور في حيرة حول موعد اللقاء القادم وهم يخططون لما يجب أن يحدث، فإذا هم الآن يواجهون الحائط برؤوس تدور يمينًا وشمالًا ولا يجدون فرصة قريبة للقاء الثاني. قال عباس انتظروا إني معكم أنتظر ما لا تنتظرونه. وعليه فلا عودة جيدة لإعادة بناء المنظمة ولا لإصلاحها ولا لإدخال المستجدين الذين يقفون ببابها منذ سنوات طويلة.
هذه هي الحالة التي على الجميع العمل تحت أضوائها بلا مكابرة ولا خداع لا فائدة منهما. لا للنفس الخادعة، ولا للنفس المخدوعة. وشكرا للتجارب والأيام فقد علمتني ما لم تعلمنيه الكتب والدفاتر، وهذا القول الأخير هو قول الشعب الذي غسل يديه من المصالحة ومن إصلاح المنظمة.